إذا كان العظم رطباً أو يابساً، وما ذكر من الجواب يجري على إطلاقه فيه إذا كان الحيوان ذكياً؛ لأن عظمه طاهر، رطباً كان أو يابساً يجوز الانتفاع به جميع أنواع الانتفاعات رطباً كان أو يابساً، فيجوز التداوي به على كل حال؛ أما إذا كان الحيوان ميتاً، فإنما يجوز الانتفاع بعظمه إذا كان يابساً، ولا يجوز الانتفاع به إذا كان رطباً؛ وهذا لأن اليبس في العظم بمنزلة الدباغ في الجلد من حيث إنه يقع الأمن عن فساد العظم باليبس، كما يقع الأمن عن فساد الجلد بالدباغ، ثم جلد الميتة يطهر بالدباغ، فكذا عظمه يطهر باليبس، فيجوز الانتفاع به، فيجوز التداوي به.
وإنما لم يجز الانتفاع بعظم الخنزير والآدمي؛ أما الخنزير فلأنه نجس العين بجميع أجزائه، والانتفاع بالنجس حرام، وأما الآدمي فقد قال بعض مشايخنا: إنه لم يجز الانتفاع بأجزائه لنجاسته، وقال بعضهم: لم يجز الانتفاع به لكرامته وهو الصحيح، فإن الله تعالى كرم بني آدم وفضلهم على سائر الأشياء، وفي الانتفاع بأجزائه نوع إهانة به.
امرأة تأكل ... تلتمس السِّمَن لا بأس به إذا لم تأكل فوق الشبع، وإن أكلت فوق الشبع فهو حرام؛ لأن الأكل فوق الشبع حرام، وليس هذا الحكم يختص بهذا الموضع بل هو الحكم في جميع المباحات، فأكل جميع المباحات حرام فوق الشبع، وفي «فتاوى أهل سمرقند» : إن كانت تسمن نفسها لزوجها لا بأس به؛ لأن هذا فعل مباح لقصد المباح.
وفي «النوازل» : الرجل إذا ظهر به داء، فقال له الطبيب: قد غلبك الدم فأخرجه، فلم يخرجه حتى مات لا يكون مأخوذاً؛ لأنه لا يعلم يقيناً أن الشفاء فيه، وفيه أيضاً: استطلق بطنه، أو رمدت عينه، فلم يعالج حتى أضعفه ومات بسببه لا إثم عليه؛ فرق بين هذا وبينما إذا جاع ولم يأكل مع القدرة على الأكل حتى مات فإنه يأثم، والفرق: أن الأكل قدر قوته فيه شفاء يتعين، فإذا تركه صار مهلكاً نفسه، ولا كذلك المعالجة.
التداوي بلبن الأتان إذا أشاروا إليه لا بأس به؛ هكذا ذكر هنا.
قال الصدر الشهيد رحمه الله: وفيه نظر؛ لأن لبن الأتان حرام، والاستشفاء بالحرام حرام، وما قاله الصدر الشهيد فهو غير مجرىً على إطلاقه، فإن الاستشفاء بالمحرم إنما لا يجوز إذا لم يعلم أن فيه شفاءً؛ أما إذا علم أن فيه شفاء، وليس له دواء آخر غيره فيجوز الاستشفاء به؛ ألا ترى إلى ما ذكر محمد رحمه الله في كتاب الأشربة إذا خاف الرجل على نفسه العطش، ووجد الخمر شربها إن كان يدفع عطشه؛ لكن يشرب بقدر ما يرويه ويدفع عطشه، ولا يشرب للزيادة على الكفاية.
وقد حكي عن بعض مشايخ بلخ: أنه سئل عن معنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: إن الله تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم؛ يجوز أن عبد الله قال ذلك في داء عرف له دواء غير المحرم؛ لأنه حينئذٍ يستغني بالحلال عن الحرام، ويجوز أن يقال: تكشف الحرمة عند الحاجة، فلا يكون الشفاء في الحرام، وإنما يكون في الحلال.