يخرج إلى القرى فيذكرهم بشيء ليجمعوا له شيئاً، فرجعت عن ذلك كله، وإنما رجع تحرزاً عن ضياع القرآن والحقوق والعلم.
[الفصل الثامن عشر في الغناء، واللهو، وسائر المعاصي، والأمر بالمعروف]
ذكر محمد رحمه الله في «السير الكبير» عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه دخل على أخيه البراء بن مالك وهو كان يتغنى، قوله: وهو يتغنى بظاهره حجة لمن قال: لا بأس للإنسان أن يتغنى إذا كان يسمع ويؤنِّس نفسه، وإنما يكره إذا كان يسمع ويؤنس غيره، ومن الناس من يقول: لا بأس به في الأعراس والوليمة، ألا ترى أنه لا بأس بضرب الدفوف في الأعراس والوليمة، وإن كان ذلك نوع لهوٍ وإنما لم يكن به بأس؛ لأن فيه إظهار النكاح وإعلانه، وبه أمر صاحب الشرع حيث قال:«أعلنوا النكاح، ولو بالدف» فكذلك التغني، ومنهم من قال: إن كان يتغنى ليستفيد به نظم القوافي، ويصير فصيح اللسان لا بأس به، ومنهم من قال: إذا كان وحده فغنى لدفع الوحشة عن نفسه فلا بأس به، وبه أخذ شمس الأئمة السرخسي، وإنما المكروه على قول هذا القائل ما يكون على سبيل اللهو، وذكر شيخ الإسلام أن جميع ذلك مكروه عند علمائنا، ويحتج بظاهر قوله تعالى:{ومن الناس من يشتري لهو الحديث}(لقمان: ٦) جاء في التفسير أن المراد منه الغناء، وحديث البراء بن مالك محمول على أنه كان ينشد الشعر المباح، يعني الشعر الذي فيه الوعظ والحكمة؛ وهذا لأن الغناء كما ينطلق على الغناء المعروف ينطلق على غيره، قال عليه السلام: «من لم يتغن بالقرآن (٩٥أ٢) فليس منا» .
قلنا: وإنشاد ما هو مباح من الأشعار لا بأس به، وإذا كان في الشعر صفة المرأة إن كانت امرأة بعينها، وهي حية يكره، وإن كانت ميتة لا يكره، وإن كانت امرأة وسيمة لا يكره؛ هذه الجملة من شرح «السير الكبير» .
وفي «فتاوى أهل سمرقند» استماع صوت الملاهي كالضرب بالقصب، وغير ذلك من الملاهي حرام، وقد قال عليه السلام:«استماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها من الكفر» وهكذا خرج على وجه التشديد بعظم الذنب؛ قالوا: إلا أن يسمع نفسه فيكون معذوراً، والواجب على كل أحد أن يجتهد حتى لا يسمع.
روى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه: في الرجل يدعى إلى وليمة أو