طعام، فوجد ثمة لعباً أو غناء، فلا بأس بأن يقعد ويأكل؛ قال أبو حنيفة رضي الله عنه: ابتليت بذلك مرة. واعلم بأن هذه المسألة على وجهين:
الأول: أن يكون اللعب والغناء على المائدة، وفي هذا الوجه لا ينبغي له أن يقعد لقوله تعالى:{فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين}(الأنعام: ٦٨) ، وكذلك إذا كان على المائدة قوم يشربون الخمر، فلا ينبغي له أن يقعد، فقد صح أن رسول الله عليه السلام نهى أن يتناول الطعام في مجلس يشرب فيه الشراب، وكذلك إذا كان على المائدة قوم يغتابون لا يقعد، والغيبة أشد من اللهو واللعب؛ لأنها أشد من الزنا؛ قال عليه السلام:«الغيبة شر من الزنا» .
والوجه الثاني: أن يكون اللعب والغناء في المنزل، وفي هذا الوجه لا بأس بأن يقعد على المائدة ويأكل، وهو المراد من المذكور في «الكتاب» ، قيل: هذا إذا كان الرجل ذا حشمة يتركون ما هم عليه بحشمته، فأما إذا لم يكن بهذه الصفة لا ينبغي أن يقعد ويأكل بل يعرض عنهم، وقول أبي حنيفة رضي الله عنه: ابتليت بهذا مرة يحمل أنه كان بعدما صار ذا حشمة، وعلى قياس هذا القول ينبغي أن يقال في الوجه الأول: إذا كان الرجل ذا حشمة يتركون ما هم عليه لحشمته لا بأس بأن يقعد ويأكل؛ بل القعود أولى ليصير ذلك سبباً لامتناعهم عن المعصية، وقيل أيضاً: ما ذكر في الوجه الثاني أن يقعد محمول على ما إذا كان الرجل خامل الذكر، ولا يقتدى به؛ أما إذا كان عالماً ويقتدى به لا يقعد ولا يأكل حتى لا يصير قدوة للشر، وقول أبي حنيفة رضي الله عنه ابتليت بهذا مرة؛ محمول على أنه كان قبل أن يصير معتداً، وقيل: يقعد في الوجه الثاني على كل حال، وإطلاق محمد رحمه الله في «الكتاب» يدل عليه، وجه ذلك أن التناول من الوليمة والضيافة سنة، واللعب والغناء حرام، يباشره غيره، ولا يجوز ترك سنة لحرام يباشره غيره، إلا إذا كان في المجلس كما في الوجه الأول، ولم يوجد ذلك ههنا، وهذا كله إذا علم بعد الحضور، فإذا علم قبل الحضور لا يحضر أصلاً، وقد قيل: لو كان هذا الرجل بحال يمتنعون عن الفسق لو امتنع هو عن الإجابة يفترض عليه الامتناع عن الإجابة، وإن كان بحال لا يمتنعون عن الفسق لو امتنع عن الإجابة لا بأس بأن يجيب ويطعم منكراً للهو غير مصغ إليه.
وفي «النوازل» : قراءة شعر الأدب إذا كان فيه ذكر الخمر والفسق والغلام يكره، وقد ذكرنا شيئاً من ذلك في أول هذا الفصل، والاعتماد في الغلام على ما ذكرنا في المرأة ثمة.