فقيهاً آخر، فأفتاه بصحة اليمين يفارق الأخرى، ويمسك الأولى عملاً بفتواهما، والله أعلم.
[الفصل السابع عشر: في أقوال القاضي وما ينبغي للقاضي أن يقول وما لا ينبغي]
ذكر ابن سماعة عن محمد رحمه الله أنه قال: لا يجوز للقاضي أن يقول أقر فلان عندي بكذا الشيء يقضى به عليه من قتل، أو مال أو طلاق حتى يشهد معه على ذلك رجل عدل ليس لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: أقر بقتل أقر بسرقة فتقطع، لو أجزت هذا لزعمت أن طاعته مفترضة بمنزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا لأحد لا قاض ولا غيره.
قال: ولا أقيم حداً على أحد بقول قاض: أقر عندي بكذا حتى يقول معه ذلك الرجل العدل، فإن كان القاضي عندي عدلاً، والشاهد معه على ذلك عدلاً، وسعني أن أقيم عليه، وإلا لم يصدق قولهما، ولو كان هذا الحاكم هو الذي ولي قطع يد هذا بإقرار زعم منه عنده كان في القياس أن أقطع يده بيده، لكني أدرأ عنه القصاص لاختلاف الفقهاء في أن قول القاضي أقر عندي بكذا نافذ عليه، قال: واجعل الدية في ماله عليه هذا جملة ما ذكره ابن سماعة عن محمد رحمه الله.
واعلم بأن بإخبار القاضي عن إقرار رجل بشيء لا يخلو، إما أن يكون الإخبار عن إقراره بشيء يصح رجوعه عنه كالحد في باب الزنا والسرقة وشرب الخمر، في هذا الوجه لا يقبل قول القاضي بالإجماع، لأنه إنما يحتاج في الرجوع إلى قول القاضي عند جحود الخصم، وإذا جحد الخصم، فقد رجع عن الإقرار، وإمّا أن يكون الإخبار عن إقراره بشيء لا يصح عنه الرجوع كالقصاص وحد القذف، وسائر الحقوق التي هي للعباد، وفي هذا الوجه قبل قوله في الروايات الظاهرة عن أصحابنا رحمهم الله.
وروى ابن سماعة عن محمد رحمه الله أنه قال: لا يقبل قوله، قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: ما ذكر في ظاهر الروايات قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد أولاً، وما روى ابن سماعة فهو قوله آخراً، ثم في بعض النسخ وقع رواية ابن سماعة مطلقة، وفي بعضها مقيدة لا يقبل قوله، وفي بعضها لا يقبل قوله ما لم يضم إليه عدل آخر وهو الصحيح، وجه هذه الرواية أن القاضي ليس بمعصوم عن الكذب، فإخباره بانفراده لا يكون حجة، وكثير من مشايخنا أخذوا بهذه الرواية في زماننا لما رأوا من فساد القضاة، وذكر بعض مشايخنا رجوعه عن هذه الرواية برواية هشام.
وجه الروايات الظاهرة أن القاضي أمين ألا ترى أنه تنفذ قضاياه، ولو كان متهماً لما نفد قضاؤه، لأن كونه متهماً ينافي كونه قاضياً، وألا ترى أنه ينافي كونه شاهداً، وألا ترى أنه لا تنفذ قضاياه في حق الوالدين والمولودين، وإنما لا ينفذ لمكان التهمة وهاهنا