للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما نفذ قضاياه علمنا أنه ليس بمتهم، وقول الأمين مقبول كالوكيل والمودَع.

وكان الشيخ الإمام الزاهد إمام الهدى أبو منصور الماتريدي رحمه الله يجعل هذه المسألة على وجوه: إن كان القاضي عالماً عدلاً نقبل قوله؛ لأن علمه يؤمنه عن الغلط، وعدالته تؤمنه عن الجور، وإن كان عدلاً غير عالم لم يستفسر إن أحسن ذلك قبل قوله، وإن كان جاهلاً فاسقاً أو فاسقاً غير جاهل لا يقبل قوله إلا أن يعاين السبب.

وأنكر بعض مشايخنا ذلك، وقال: مع جهله أو فسقه لا يقبل قوله أصلاً؛ لأنه يخاف عليه إما الغلط أو الجور، وهذا إذا أخبر القاضي عن ثبوت الحق بالإقرار، فأما إذا أخبر عن ثبوت الحق بالبينة بأن قال: قامت بذلك بينة عندي وعدلوا وقبلت شهادتهم على ذلك، قبل قوله وله أن يحكم بها بخلاف الإقرار لأن رجوع الخصم ثمة يعمل، وهاهنا رجوع الخصم لا يعمل هذا الذي ذكرنا إذا أخبر القاضي عن شيء وهو قاض.

فأما إذا أخبر عن شيء بعد العزل وصورته، إذا عزل القاضي فجاء رجل وخاصمه إلى القاضي المقلد، وقال: إنه وقع مالي، (٧٤ب٤) وذلك كذا وكذا إلى هذا بغير حق أو قال: إنه قتل ولي فلاناً، وهو قاض بغير حق وقال القاضي المعزول فعلت ما فعلت بقضاء قضيته عليه بإقراره، أو ببينته فعلى رواية ابن سماعة لا يقبل قوله: لأنه على روايته لا يقبل قوله، وهو قاض فأولى أن لا يقبل قوله بعد العزل.

فأما على الرواياتِ الظاهرة المسألة على وجهين: إما أن كان العين الذي وقع فيه الخصومة قائماً أو كان هالكاً، وفي الوجهين جميعاً، لا ضمان على القاضي، وكذلك إذا قال القاضي المعزول لرجل: قضيت عليك لفلان بألف وأخذتها منك ودفعتها إليه حين ما كنت قاضياً، وقال الرجل: لا بل أخذتها مني بعد العزل ظلماً، فالقول قول القاضي على الروايات الظاهرة؛ لأن القاضي أضاف إقراره إلى حالة معهودة له ينافي في تلك الحالة وجوب الضمان عليه، فإن فعل القاضي على وجه القضاء لا يوجب الضمان بحال من الأحوال، فيكون بالإضافة إلى تلك الحالة منكراً للضمان، والقول للمنكر في الشرع وصار كالوكيل بالبيع إذا قال بعد العزل: قد كنت بعت وقبضت الثمن وهلك الثمن في يدي وكان ذلك قبل العزل، وقال الموكل: استهلكت ببيعه لا يوجب الضمان على الوكيل، وإنما لا يضمن؛ لأن فعل الوكيل على وجه الموافقة لا يوجب الضمان بحال فيكون بالإضافة إلى تلك الحالة منكراً للضمان، وكذلك إذا قال الوصي للصبي بعد البلوغ: أنفقت عليك من مالك كذا وكذا وذلك نفقة مثله، وقال الصبي: لا بل استهلكت مالي، فالقول قول الوصي؛ لأن فعل الوصي بالمعروف لا يوجب الضمان بحال فيكون بالإضافة إلى تلك الحالة منكراً للضمان وهل ينزع ذلك الشيء من يد المقضي له إن كان قائماً؟ فهو على وجهين.

إن كان صاحب اليد يقول هذا العين ملكي من الأصل لم آخذه من هذا، ولم يقض القاضي المعزول لي به لا ينزع من يده؛ لأن المال في يده، واليد دليل الملك، فيحال الملك عليه إلا إذا وجد دليلاً آخر بخلافه.

<<  <  ج: ص:  >  >>