وإن كان صاحب اليد يقول: هذا العين ملكي؛ لأن القاضي المعزول قضى لي به على هذا الرّجل كونه قاضياً ينزع من يده، ويسلم إلى المقضي عليه لأنهم تصادقوا على وصول هذا العين إلى المقضي له من جهة المقضي عليه بفعل ذلك القاضي والمقضي له بالإضافة إلى القضاء في تلك الحالة يدعيان التملك عليه وهو منكر، فالقول قول المنكر، أما إذا كان العين مستهلكاً، فالدعوى في الحاصل في الضمان، والقاضي بالإضافة إلى تلك الحالة منكر للضمان، والقول قول المنكر في الشرع، ولهذه المسألة أجناس كثيرة موضعها «إقرار الأصل» و «الزيادات» .
قال في «أدب القاضي» : وللقاضي أن يقرض أموال اليتامى، وهذا مذهبنا خلافاً للشافعي، وهذا لأن القاضي يحتاج إلى حفظ أموال اليتيم، وقل ما يمكنه الحفظ بنفسه فيحتاج إلى الدفع إلى غيره، والدفع بطريق الإقراض أنفع لليتيم من الدفع بطريق الإيداع، لأن الوديعة إذا هلكت في يد المودع هلكت من مال اليتيم، والقرض إذا هلك في يد المستقرض يهلك من مال المستقرض، فهو معنى قولنا: إن الإقراض أنفع لليتيم، فإذا ملك القاضي الإيداع أولى أن يملك الإقراض.
قال في «الأقضية» : وإنما يملك القاضي الإقراض إذا لم يجد ما يشتري به لليتيم (و) يكون لليتيم منه غلة، فأما إذا وجد لا يملك الإقراض بل يتعين عليه الشراء، قال هكذا روي عن محمد رحمه الله، وكذلك إذا وجد من يدفع إليه ماله مضاربة يدفع ماله مضاربة، ولا يقرض؛ لأنها أنفع في حق الصغير؛ لأنه يجعل به الربح للصغير وبالقرض لا يحصل، وإذا أقرض ينبغي أن يقرض من المليء لا من المفلس؛ لأن المال في ذمة المفلس يأوي، وينبغي أن يكتب من أقرضه صكاً خوفاً عن النسيان كيلا يفوت حق الصبيان، وينبغي أن يتفقد عن أحوالهم في كل وقت حتى إذا أفلس واحد منهم يسترد منه المال، إذ كما لا يجوز أن يقرض المفلس لا يجوز أن يترك المال على المفلس.
قال هشام: يذكرنا عن محمد رحمه الله في الأموال التي تجمع عند القاضي لأيتام أي ذلك أفضل للقاضي دفعها بوديعة أو بضمان؟ فأخبرنا أن أبا حنيفة وابن أبي ليلى وأبا يوسف رحمهم الله، كانوا يرون أن يدفعها بضمان، قال: وكذلك قول محمد رحمه الله إذا كان الذي يضمن يوفي المحيا والممات، قال: وليس للقاضي أن يستقرض لنفسه ذلك.
في «المنتقى» لو أن قاضياً باع مال يتيم بنفسه، أو أودع مال يتيم أو باع أمينه بأمره، وهو يعلم بذلك من رجل، ثم مات هذا القاضي واستقضي غيره، فشهد قوم أنهم سمعوا القاضي الأول يقول: استودعت فلاناً مال اليتيم، أو يقول: بعت فلاناً مال فلان اليتيم بكذا وكذا فجحد فلان، قال: يقبل القاضي الثاني هذه الشهادة، ويأخذ المستودع والمشتري بالمال وإن لم يكن الأول أشهدهم أنه قضى بذلك، قضاؤه وقوله عليه سواء، وإذا قبض القاضي مال يتيم أو غائب ووضعه في بيته، ولا يعلم أين هو؟ فهو ضامن، وإن