ببعض الأمصار، قال: آمره أن يأخذ كفيلاً بنفسه ويخرجه من السجن حتى يجيء بالذي كفل به، وكذلك المحبوس بالدين إذا علم أنه لا مال له في هذه البلدة وله مال ببلدة أخرى يؤمر رب الدين أن يخرجه من السجن، ويأخذ منه كفيلاً بنفسه على قدر المسافة، ويأمر أن يبيع ماله ويقضي دينه، ولم يذكر ههنا أن رب الدين لو كان غائباً، ورأيت في موضع آخر أن القاضي يخرج المحبوس من السجن، ويأخذ منه كفيلاً.
الحسن عن أبي يوسف: إذا باع أمين القاضي عروض المديون في دينه وقبض الثمن، وهلك، ثم استحق المبيع، رجع المشتري على الغريم، ويرجع الغريم على المطلوب، ويجوز إقرار المحبوس بالدين لغيره بعد أن يحلف بالله ما أقر به على وجه التلجئة، وهذا قول أبي يوسف رحمه الله، وإذا أقر المحبوس بالبيع يحلف المشتري بالله أنه اشترى منه شراء صحيحاً ودفع الثمن إليه، وما كان ذلك تلجئة والله أعلم.
[الفصل الثامن والعشرون: فيما يقضي به القاضي ويرد قضاؤه، وما لا يرد]
ما يجب اعتباره في هذا الفصل شيئان، أحدهما: أن قضاء القاضي متى اعتمد سبباً صحيحاً ثم بطل السبب من بعد لا يبطل القضاء؛ لأن بقاء السبب ليس بشرط لبقاء القضاء، ألا ترى أن بقاء السبب لم يشترط لبقاء الحكم، فكذا لا يشترط لبقاء القضاء، وإذا ثبت عدم السبب من الأصل بعد وجوده من حيث الظاهر، فكذلك عند أبي حنيفة وأبي يوسف الآخر، وعند أبي يوسف الأول وهو قول محمد رحمه الله: يبطل القضاء، وهي مسألة قضاة القاضي في العقود والفسوخ بشهادة الزور، والمسألة معروفة.
والثاني: أن استحقاق المبيع على المشتري، يوجب توقف البيع السابق على إجازة المستحق، ولا يوجب نقضه وفسخه في ظاهر الرواية، وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أن الخصومة من المستحق، وطلب الحكم من القاضي ذلك النقض فينقض به البيع كما ينتقض بصريح النقض، حتى لا يعمل إجازة المستحق بعد ذلك، عن أبي يوسف رحمه الله أن أخذه العين بحكم القاضي دليل الفسخ والنقض، فينتقض به حتى لا يعمل إجازته بعد ذلك، وفي ظاهر الرواية لا يكون شيء من ذلك دليل النقض أما الخصومة وطلب (١٠٨ب٤) الحكم، فلأنهما لإثبات الاستحقاق وإظهاره، والاستحقاق لو كان ثابتاً ظاهراً وقت البيع لا يمنع انعقاد البيع، فظهوره في الانتهاء، لأن لا يوجب النقض والفسخ أولى، والأخذ بحكم القاضي أيضاً محتمل يحتمل التلوم ويحتمل النقض والفسخ والعقد جائز بيقين، فلا يثبت النقض بالشك.
قال محمد رحمه الله في «الزيادات» : رجل اشترى من آخر جارية ولم يقبضها حتى استحقها رجل بالبينة، والبائع والمشتري حاضران، وقضى القاضي بها للمستحق، ثم ادعى البائع والمشتري أن المستحق باعها من هذا البائع وسلمها إليه، ثم باعها البائع من