للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان للمديون ثياب يلبسها، ويمكنه أن يجري بدون ذلك، فإنه يبيع ثيابه ويقضي الدين ببعض ثمنها، ويشتري بما بقي ثوباً يلبسه؛ لأن لبس ذلك للتجمل، وقضاء الدين فرض عليه وعلى هذا القياس، ويمكنه أن يجري بما دون ذلك المسكن يبيع ذلك المسكن، ويصرف بعض الثمن إلى الغرماء ويشتري بالباقي سكناً لنفسه، وعن هذا قال مشايخنا: إنه يبيع ما لا يحتاج إليه للحال حتى إنه يبيع اللبد في الصيف والنطع في الشتاء، وإذا كان له كانوناً من حديد أو صفر يبيعه ويتخذ كانوناً من طين، وعن محمد رحمه الله: أن المديون إذا وجد من يدينه إلى أجل، ولا يستدين ولا يقضي يدخل تحت قوله عليه السلام: «لي الواجد يحل عرضه وماله» ، وهذا لأن الواجد ليس هو الغني، بل الواجد من يمكنه قضاء الدين، وقد أمكنه قضاء الدين بهذا الطريق.

ثم أي قدر يترك للمديون من ماله ويباع ما سواه؟ لم يذكر محمد هذه المسألة في شيء من الكتب، وقدروي عن عمر بن عبد العزيز ثلاث روايات: في رواية قال: يترك ثيابه وسكنه وخادمه ومركبه؛ لأنه يحتاج إلى ذلك كله، وفي رواية أخرى قال: يترك ثيابه ومسكنه وخادمه، وبهذه الرواية أخذ بعض القضاة، وفي رواية قال: يباع جميع ماله ويؤاجر ويصرف غلته إلى غرمائه.

وفي ظاهر رواية أصحابنا رحمهم الله: لا يؤاجر إلا رواية روي عن أبي يوسف رحمه الله وجه ظاهر الرواية أنه لم يتعلق حق الغرماء بمنافع يديه، فلا يؤاجر ولكن إن أجر هو نفسه وأخذ الأجرة ترك له قوت يومه وعياله، ويصرف ما سوى ذلك إلى رب الدين، ومن القضاة من قال: إن كان في موضع الحر يباع ما فوق الإزار، لأن هناك الحاجة إلى ستر العورة لا غير وإنه يحصل بالإزار، وإن كان في موضع البرد يترك له ما يدفع به من البرد حتى لا تباع جبته وعمامته ويباع ما سوى ذلك، ومن المشايخ من قال: يترك له دستاً من الثياب، ويباع ما سوى ذلك، وبه أخذ شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، ومنهم من قال يترك له دستين من الثياب حتى إذا غسل أحدهما لبس الآخر، وهو اختيار شمس الأئمة السرخسي رحمه الله.

في «نوادر ابن سماعة» عن محمد رحمه الله: رجل عليه دين وهو معسر وله دين على رجل مليء، فإن الحاكم يحبس المعسر حتى يتقاضى ماله على غريمه الموسر، فإن فعل وحبس غريمه الموسر، فإن الحاكم لا يحبس المعسر بما عليه؛ لأنه قضى ما عليه في تقاضي دينه، وقال أبو يوسف رحمه الله: إذا كان للمعسر دين على غريمه أخذ القاضي غريمه بدينه، وقضى دين غرمائه.

وفيه أيضاً: رجل حبس في الكفالة بنفس رجل، ثم علم أن المكفول بنفسه غائب

<<  <  ج: ص:  >  >>