للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي تقديم النسوان يعمل ذلك، لأن مبنى حالهن على الستر، وتأخيرهن يؤدي إلى التشهير، لأنه يجتمع على باب القاضي أناس مختلفون والتشهير ينافي الستر، وإن رأى القاضي أن يجعل لهن نوبة على حدة في يوم واحد من أيام الجمعة فعمل ذلك، لأن في اختلاطهن بالرجال فتنة، فيجعل لهن نوبة على حدة نفياً للفتنة، وهذا إذا كانت الخصومات بين النسوان، فأما إذا كانت بين النسوان والرجال يعتمد في ذلك على الإقراع والسبق على نحو ما بينا والله أعلم.

[الفصل التاسع: في رزق القاضي وهديته ودعوته وما يتصل به]

ولا بأس أن يأخذ القاضي رزقاً من مال بيت المال، هكذا ذكر الخصاف في «أدب القاضي» ، وعلل فقال: لأنه عامل من عمال المسلمين، وقاسه على عماله عامل الصدقات.

قال: وقد ذكر هشام عن محمد أنه كان لا يرى بأساً بأن يأخذ القاضي رزقاً من مال بيت المال، ويروي تعليل محمد رحمه الله أن القضاة من السلف قل أن يرزقوا من بيت المال، فلا بأس بأن يرزق القاضي في زماننا، وأن يتعفف ويتنزه ولم يرتزق فذاك أفضل، لأن القضاة من السلف منهم من لم يرتزق كمسروق وقاسم.

قال الشيخ الإمام شمس الأئمة السرخسي رحمه الله: حاصل الجواب في هذه المسألة أن القاضي إذا كان ذا ثروة ويسار، فالأولى أن لا يرزق، كما فعل عثمان رضي الله عنه، وإن كان صاحب حاجة، فالأولى أن يرزق كما فعل أبو بكر وعمر وعليّ رضي الله عنهم، وهذا لأنه فرّغ نفسه لعمل المسلمين، وعجز عن الكسب، فمتى لم يأخذ كفايته من مال بيت مال المسلمين إما أن يقصر في عمل المسلمين، أو يطمع في مال المسلمين، وفساد ذلك مما لا يخفى.

وكان الشيخ الإمام الزاهد فخر الإسلام علي البزدوي رحمه الله قال: إن القاضي إن كان فقيراً لا يترك حتى لا يرتزق وإن كان غنياً، فبعض مشايخنا على أن الأولى أن يرتزق حتى لا يصير ذلك سنة، لمن يكون بعده، وقد يكون من بعده فقير فيضيق عليهم الأمر، وكما يجعل كفاية القاضي في مال بيت المال يجعل كفاية عياله ومن يمونه من أهله وأعوانه في مال بيت المال، لأن المعنى لا يوجب الفصل.Y

ولم ينقل عن محمد رحمه الله أن القاضي هل يأخذ الرزق في يوم البطالة؟ وقد اختلف المتأخرون فيه، والصحيح أنه يأخذ. فأما أجر كاتب القاضي وأجر قسامه، فإن رأى القاضي أن يجعل ذلك على العموم فله ذلك، وإن رأى أن يجعل ذلك في مال بيت المال، وفيه سعة فلا بأس به، وعلى هذا الصحيفة التي يكتب فيها الدعوى الذي يدعي المدعى وشهادتهم إن رأى القاضي أن يطلب ذلك من المدعي فله ذلك، لأن منفعة ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>