وله أصل في الشرع، فإن الإمام في باب الغنيمة، يعزل أنصباء الغرماء، فيقرع بينهم ثم يقسم فيما بين الرايات، ويقرع فيما بينهم مرة أخرى، ويكون أحدهما على طريق الجمل والأخرى على طريق الإفراد، كذا هاهنا.
قال الشيخ الإمام الأجل شمس الأئمة السرخسي رحمه الله ما قاله الخصاف حسن، لأن القاضي متى اعتمد على القرعة، وأعلم الخصوم نوبتهم يوم كذا عسى لا يمكنه فصل تلك الخصومات في ذلك اليوم لمعنى من المعاني، فيصير القاضي مخلفاً في وعده، والخلف في الوعد مذموم، والتحرز عنه واجب فيجب الاعتماد على السبق وبه يفتى، وإن اشتبه على القاضي من سبقه أقرع بينهم.
قال الخصاف في «أدب القاضي» : وإن اجتمع على باب القاضي أرباب الشهود والأيمان والغرباء، ورأى القاضي أن يقدم أرباب الشهود على الكل فله ذلك، لأنه لو طال مكثهم ربما يملون ويذهبون قبل أداء الشهادة، فيضيع حق المدعي، وإن رأى أن يقدم أرباب الأيمان على أرباب الشهود فله ذلك أيضاً، لأن فصل الخصومة بالأيمان أسهل، وإن رأى أن يقدم الغرباء على الكل فله ذلك، لأن قلب الغريب يكون مع أهله وولده، فمن كثر مكثه وتردده يمل فيترك حقه ويذهب، فيكون القاضي هو المضيع لحقه ولكن هذا إذا لم يكن بالغرباء كثرة، فالقاضي لا يقدمهم لأجل الغربة، ولكن يعتمد السبق على نحو ما بينا لأن تقدمهم في هذه الصورة يؤدي إلى الإضرار بالمقيمين، وإنه لا يجوز.
وهذا التفصيل منقول عن محمد رحمه الله فقد ذكر هشام في «نوادره» : سألت ابتداء الحكم بالغرباء، قال: نعم ما لم يضر بالمقيمين وقال: الذي يرجع من ليله إلى أهله بمنزلة المقيم، والذي يبيت عن أهله بمنزلة الغريب إلا أن الغريب يعني المسافر أشد حالاً.
فإن قال واحد من الخصوم للقاضي: أنا غريب عازم على الرجوع إلى وطني، فقدمني على سائر الخصوم لأجل الغربة، فالقاضي لا يقبل قوله بدون البينة، لأنه ادعى لنفسه حق التقدم، فيعتبر بما لو ادعى لنفسه حقاً آخر، وهناك لا يقبل قوله بدون البينة، فكذا هنا. ولا يشترط العدالة في هذه البينة حتى لو أقام شاهدين مستورين قبل القاضي ذلك منه، إذ ليس في هذا كبير التزام، وللقاضي ولاية تقدمه في الجملة بدون البينة، ومن أصحابنا من قال: يسأله مع من يريد السفر فإن أخبر بذلك سأل الرفقة متى يخرجون، وأن فلاناً هل يخرج معكم وهل استعد لسفره، لأن الاستعداد للسفر يصلح علامة على السفر قال الله تعالى: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة} (التوبة: ٤٦) .
فإن قالوا: نعم يثبت ما ادعاه فيقدمه القاضي، وعلى هذا أمر المستأجر إذا زعم المستأجر أنه يريد السفر، وأراد نقض الإجارة بعذر السفر، فالقاضي لا يقبل قوله بدون البينة، ولكن يسأله مع من يريد السفر والخروج؟ وإذا أخبر بذلك سأل رفقته متى يخرجون، وأن فلاناً هل يخرج معكم، وهل استعد للخروج: فإن قالوا: نعم تحقق العقد، ويجب الفسخ، وإن رأى القاضي تقديم النسوان يعمل ذلك، لأن مبنى حالهن على الستر، وتأخيرهن يؤدي إلى التشهير، لأنه يجتمع على باب القاضي أناس مختلفون والتشهير ينافي الستر، وإن رأى القاضي أن يجعل لهن نوبة على حدة في يوم واحد من أيام الجمعة فعمل ذلك، لأن في اختلاطهن بالرجال فتنة، فيجعل لهن نوبة على حدة نفياً للفتنة، وهذا إذا كانت الخصومات بين النسوان، فأما إذا كانت بين النسوان والرجال يعتمد في ذلك على الإقراع والسبق على نحو ما بينا والله أعلم.
وهذا التفصيل منقول عن محمد رحمه الله فقد ذكر هشام في «نوادره» : سألت ابتداء الحكم بالغرباء، قال: نعم ما لم يضر بالمقيمين وقال: الذي يرجع من ليله إلى أهله بمنزلة المقيم، والذي يبيت عن أهله بمنزلة الغريب إلا أن الغريب يعني المسافر أشد حالاً.
فإن قال واحد من الخصوم للقاضي: أنا غريب عازم على الرجوع إلى وطني، فقدمني على سائر الخصوم لأجل الغربة، فالقاضي لا يقبل قوله بدون البينة، لأنه ادعى لنفسه حق التقدم، فيعتبر بما لو ادعى لنفسه حقاً آخر، وهناك لا يقبل قوله بدون البينة، فكذا هنا. ولا يشترط العدالة في هذه البينة حتى لو أقام شاهدين مستورين قبل القاضي ذلك منه، إذ ليس في هذا كبير التزام، وللقاضي ولاية تقدمه في الجملة بدون البينة، ومن أصحابنا من قال: يسأله مع من يريد السفر فإن أخبر بذلك سأل الرفقة متى يخرجون، وأن فلاناً هل يخرج معكم وهل استعد لسفره، لأن الاستعداد للسفر يصلح علامة على السفر قال الله تعالى: {ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة} (التوبة: ٤٦) .
فإن قالوا: نعم يثبت ما ادعاه فيقدمه القاضي، وعلى هذا أمر المستأجر إذا زعم المستأجر أنه يريد السفر، وأراد نقض الإجارة بعذر السفر، فالقاضي لا يقبل قوله بدون البينة، ولكن يسأله مع من يريد السفر والخروج؟ وإذا أخبر بذلك سأل رفقته متى يخرجون، وأن فلاناً هل يخرج معكم، وهل استعد للخروج: فإن قالوا: نعم تحقق العقد، ويجب الفسخ، وإن رأى