والجواب: إذا أعاد الطواف ولم يعد السعي إنما يلزمه الدم؛ لأن بالإعادة يرتفع المؤدى، ويصير كأن لم يكن بقي السعي قبل الطواف، فيلزمه الدم لترك السعي، بخلاف ما إذا لم يعد الطواف، ولكن أراق الدم؛ لأن بإراقة الدم لا يرتفع المؤدى، ولا يصير كأن لم يكن؛ لأنه ليس من جنسه بل يرتفع النقصان، فيبقى الطواف في محله والسعي بعده، فلا يلزمه شيء.
ومن طاف للصدر، ثم أقام بمكة لشغل، فليس عليه إذا انصرف أن يطوف، وتأويل قوله عليه السلام «من حج هذا البيت فليكن آخر عهده الطواف» فليكن آخر مناسكه الطواف دون مقامه، وعند أبي حنيفة رحمه الله إذا طاف للصدر، ثم أقام إلى العشاء، فأحب إليّ أن يطوف طوافاً آخر ليكون توديع البيت متصلاً بالخروج من غير فصل، وإذا رجع الحاج قبل طواف الصدر، فعليه أن يرجع قبل أن يجاوز الميقات، وإن جاوز الميقات لم يرجع.
وقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله: لا يجمع بين أسبوعين لا يصلى بينهما، وإن فعل صح ويكره، وقال أبو يوسف رحمه الله: لا يكره إذا انصرف عن وتر القارن.
إذا طاف طوافين لعمرته وحجته، وسعى سعيين بعد ذلك لعمرته وحجته جاز، وقد أساء وإنما لزمته الإساءة لترك السنّة المتواترة والترتيب المشروع، فإن الترتيب المشروع في حق القارن أن يقدم أفعال العمرة على أفعال الحج، فيطوف بالبيت سبعة أشواط لعمرته، ويسعى من الصفا والمروة سبع مرات لعمرته، ثم يطوف طواف التحية لحجته وعمرته، فقد ترك الترتيب المشروع، فيلزمه الإساءة لهذا، ولا شيء عليه؛ لأنه ما ترك واجباً، ولا أخر واجباً إنما ترك مجرد الترتيب وإنه سنّة، وترك السنّة يوجب الإساءة، أما لا يوجب الدم ولا الصدقة.
[الفصل التاسع: في القارن]
اعلم بأن القران في حق الآفاقي أفضل من التمتع والإفراد، والتمتع في حق الآفاقي أفضل من الإفراد، وهذا هو المذكور في ظاهر رواية أصحابنا رحمهم الله، وذكر الحسن في «المجرد» عن أبي حنيفة رحمه الله أن القران أفضل من التمتع، والإفراد أفضل من التمتع، فصار في التمتع روايتان.
وفي حق المكي الإفراد أفضل من القران؛ لأنه لا يمكنه إحراز فضل القران لا يترك واجباً وهو الإحرام من الميقات، أما ميقات الحج إن أحرم بها من الحل؛ لأن ميقاته