للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للحج من دويرة أهله، أو ميقات العمرة إن أحرم بها من فوق مكة؛ لأن ميقاته للعمرة من التنعيم والإحرام من الميقات واجب، وإحراز فضل القران مستحب، ولا شك أن مراعاة الواجب أولى.

والقارن هو الجامع بين الحج والعمرة سواء أحرم بهما معاً أو أحرم بالحجة، وأضاف إليها العمرة، أو أحرم بالعمرة، ثم أضاف إليها الحجة إلا أنه إذا أحرم بالحجة وأضاف إليها العمرة، فقد أساء فيما صنع، لأن الله تعالى جعل العمرة بداية، وجعل الحج نهاية، وعليه فمن أضاف العمرة إلى الحج، فقد جعل الحج بداية، وإنه مخالف ما في الكتاب، وعليه أن يقدم أعمال العمرة على أعمال الحج هذا هو دأب القارن، وعليه دم شكراً لما أنعم الله تعالى عليه من التوفيق للجمع بين العبادتين بسفره، ولهذا يحل له التناول ولغيره من الأغنياء؛ لأنه دم شكر، وإن لم يأت بأفعال العمرة حتى وقف بعرفات يصير رافضاً لعمرته؛ لأن بالوقوف تم حجة، فلو لم ترتفض عمرته يصير بانياً أفعال العمرة على أفعال الحج، وإنه غير مشروع، وكذلك لو طاف لعمرته شوطاً أو شوطين أو ثلاثة، ثم وقف بعرفة يصير رافضاً لعمرته؛ لأن المأتي به من أعمال العمرة أقل، فيجعل وجودها كعدمها، وإذا ارتفض عمرته لزمه دم لرفض العمرة، ولكن يسقط عنه دم القران.

وأما إذا توجه إلى عرفات، وأخذ في السير قبل أن يأتي بأفعال العمرة، هل يصير رافضاً لعمرته؟ ذكر في «الجامع الصغير» أنه لا يصير رافضاً، وذكر المسألة في «الأصل» في موضعين، وذكر في أحد الموضعين أنه يصير رافضاً لعمرته، وذكر في موضع آخر: القياس على قول أبي حنيفة أن يصير رافضاً، وفي الاستحسان لا يصير رافضاً، وهو لم (١٧٩ب١) يذكر القياس، والاستحسان في «الأصل» في أحد الموضعين أن ما ذكر في «الأصل» في الموضع الآخر أنه يصير رافضاً استحساناً.

وإنما تظهر فائدته فيما إذا توجه إلى عرفات، ثم بدا له، فرجع عن الطريق قبل الوقوف بعرفة، وطاف لعمرته، وسعى لها، ثم وقف بعرفة، هل يكون قارناً؟ على جواب الاستحسان يكون قارناً، وأراد بما ذكر في «الأصل» في آخر الموضعين من القياس على قول أبي حنيفة رحمه الله القياس على مسألة معروفة في كتاب الصلاة: إن من صلى الظهر في منزله، ثم توجه إلى الجمعة هل ينتقض ظهره بمجرد التوجه؟

ولو أحرم بالعمرة، ثم طاف لحجة، وسعى لحجة يريد به طواف التحية، ولم يطف لعمرته حتى وقف بعرفة هل يصير رافضاً لعمرته؟ ذكر القاضي الإمام علاء الدين رحمه الله في «مختلفاته» أنه لا يصير رافضاً؛ لأن ما أتى به من الطواف وقع لعمرته، وإن نوى به الحجة؛ لأن الطواف الأول في حق القارن مستحق للعمرة، فيقع عن العمرة على ما مر قبل هذا، وإذا وقع عن العمرة تمت عمرته ولا رفض بعد التمام، وإن كان هذا الرجل أحرم بالحج، وطاف للحج طواف التحية، ثم أحرم بالعمرة لزمته، وعليه لجمعه بينهما دم؛ لأن طواف التحية سنّة وليس بركن، فلا يصير به مؤدياً شيئاً من الحج، فصار بمنزلة ما لو أحرم بالعمرة قبل هذا الطواف إلا أن في هذا الفصل يستحب له رفض العمرة،

<<  <  ج: ص:  >  >>