واحدة منها، فإنها بنت مخاض وسط، وجبت في العشر شاتان وسطان، وفي خمس عشرة ثلاث شياه أوساط، وفي عشرين أربع شياه أوساط؛ لأن الأصل في نصاب الإبل بنت المخاض وما زاد عليها عفو، ألا ترى أن من كان له خمس بنت مخاض تجب فيها شاة وسط، فإذا (وجد) في النصاب ما هو الأصل يكفي، وجعل ما وراءه تبعاً له.
فإن قيل: إذا وجدنا أربعاً من الشياه الأوساط وقع الإجحاف بأرباب الأموال؛ لأن قيمتها قد تزيد على بنت المخاض التي تجب الزكاة لأجلها، قلنا: هذا فاسد؛ لأن سعر الغنم مع سعر الإبل تتفاوتان من حيث الغالب، فإذا ازداد أحدهما يزداد الآخر، وإذا انتقص أحدهما انتقص الآخر.
ألا ترى أن الشرع أوجب في الخمس من الإبل السائمة شاة وسطاً، وفي العشرين أربع شياه أوساط، وفي خمس وعشرين بنت مخاض وسط، ولو جاز أن تكون قيمة أربع شياه أوساط تزيد على قيمة بنت مخاض وسط كان الواجب في خمس وعشرين أقل من الواجب في العشرين، وهذا مما يجوز أن يقال به.
[الفصل الرابع في تصرف صاحب المال في النصاب بعد الحول وقبله]
لا خلاف لأحد أن تصرف الرجل في ماله قبل الحول جائز بيعاً كان أو غيره، وإنما الكلام في الكراهة، فنقول: أجمعوا على أنه إذا باع لتوسيع النفقة على نفسه وعياله أنه لا يكره، وأما إذا قصد بالبيع الفرار عن وجوب الصدقة يكره عند محمد، وعند أبي يوسف لا يكره، وروي عن أبي يوسف رواية أخرى أنه يكره، وأما تصرفه بعد الحول جائز عندنا، فالأصل عندنا أن وجوب حق الله تعالى في المال نحو الزكاة وما أشبهه لا يمنع النقل من ملك إلى ملك، وهذا لأن الحق في الحقيقة في الذمة، والمال محل إقامة الحق، فقبل الإقامة كان المال خالياً عن حق الله تعالى، فانعدم المانع من النقل.
ألا ترى أن مال الزكاة إذا كانت جارية فحال عليها الحول حل لصاحب المال وطؤها، ولو كان الحق ثابتاً في العين كانت الجارية مشتركة، ولا يحل وطء الجارية المشتركة، ولأن الزكاة إنما وجبت بصفة اليسر، واليسر في الأداء من نماء المال ولا نماء إلا بالتصرف، لو صار وجوب الزكاة مانعاً من التصرف لصار مانعاً من الأداء من نماء المال، فصار مانعاً من الأداء بصفة اليسر، فيعود إلى موضوعه بالنقص، وإنه لا يجوز.
وإذا ثبت أن وجوب الزكاة لا يمنع المالك من التصرف بعد ذلك ينظر إن إزالة المال عن ملكه بتصرفه بغير عوض نحو الهبة وأشباهها، فهو ضامن قدر الزكاة، وإن أزاله عن ملكه بعوض نحو البيع، فإن حصلت الإزالة بعوض يعدله ويوازيه لا يصير ضامناً للزكاة بقي العوض في يده أو هلك، وإن حصلت الإزالة بعوض لا يعدله ولا يوازيه يصير ضامناً قدر الزكاة بقي العوض في يده أو هلك؛ وهذا لأن البيع إذا حصل بعوض يعدل