والعوض يقوم مقام جميع مال الزكاة، ويصير من حيث المعنى كأن مال الزكاة قائم في ملكه، فلا يصير بالبيع مستهلكاً للزكاة، بل يصير ناقلاً، إياها من محل إلى محل، وله ولاية النقل حتى جاز أدء القيمة عندنا، فأما إذا حصل البيع بعوض لا يعدله، فالعوض لا يقوم مقام جميع مال الزكاة، فيصير بالبيع مستلهكاً مال الزكاة لا ناقلاً، والاستهلاك سبب وجوب الضمان.
ثم إذا وجب الضمان بالاستهلاك وزال الاستهلاك بانفساخ السبب من الأصل برىء من الضمان؛ لأن انفساخ السبب يوجب انعدامه من الأصل، كأن لم يكن وانعدام سبب الضمان يوجب انعدام الضمان، وإن زال بطريق الارتفاع لا بطريق الانفساخ من الأصل لا يبرأ عن الضمان؛ لأن ارتفاع السبب لا يوجب زوال الحكم؛ لأنه لا يظهر عدم السبب من الأصل ووجود السبب يشترط لثبوت الحكم، أما بقاؤه لا يشترط لبقاء الحكم، فيبقى حكم الضمان وإن زال السبب.
إذا عرفنا هذا الأصل جئنا إلى بيان المسائل: قال محمد رحمه الله في «الأصل» : إذا كان له إبل سائمة باعها بعد الحول حتى بعد البيع ثم حضر الساعي، فإن قال له البائع: أنا أدفع إليك قيمة الواجب أو عين الواجب من مال آخر، فلا سبيل له على المشترى، وإن قال له البائع: ليس عندي ما أدفعه إليك للحال، ينظر: إن كان البائع والمشتري في مجلس العقد بعد، فالساعي بالخيار إن شاء اتبع البائع بقدر الزكاة؛ لأن الزكاة وجبت عليه، وإن شاء اتبع المشتري وفسخ العقد في قدر الزكاة، وأخذ ذلك من النصاب.
وإن حضر الساعي بعدما تفرق البائع والمشتري عن مجلس العقد، فالقياس أن للساعي الخيار على نحو ما بينا، وفي الاستحسان لا سبيل له على المشتري، بل يتبع البائع بقدر الزكاة بمال.
وإذا بادل عروض التجارة بعروض التجارة وهي مثلها في القيمة أو باعها بدراهم أو دنانير لا يصير ضامناً للزكاة؛ لأنه بادل مال الزكاة بعوض يعدله، بخلاف ما إذا باعها بعبد للخدمة.
قال في «الجامع» : رجل له ألف درهم حال عليها الحول وجبت فيها الزكاة، ثم اشترى بها عبداً للتجارة يساوي تسعمائة وخمسين درهماً، ثم هلك العبد سقط عنه زكاة الألف المقدر بتسعمائة وخمسين؛ لأنه بهذا القدر بادل مال الزكاة بعوض يعدله ويوازيه؛ لأن العوض للتجارة كالأصل، فلا يصير بهذا القدر مستهلكاً، بخلاف ما إذا اشترى عبداً للخدمة أو طعاماً للأكل أو ثياباً للبس، حيث يعتبر ضامناً قدر الزكاة، بقيت هذه الأشياء في يده أو هلكت؛ لأنه بادل مال الزكاة بعوض لا يعدله، فيصير مستلهكاً قدر الزكاة.
وأما بقدر الخمسين وإن شاء مستهلكاً بهذا القدر؛ لأنه ليس بمقابلته عوض، إلا أن هذا القدر غبن يسير لأنه يدخل تحت تقويم المقومين منهم من يقومه بتسعمائة وخمسين، ومنهم من يقومه بألف فالاستهلاك إن ثبت بقول أحدهما لم يثبت بقول الآخر، فلا يثبت بالشك.