حكي عن الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله في المرأة القادرة على نفقة نفسها ونفقة المحرم أن الحج يفرض عليها، واضطربت الروايات عن محمد في هذا، وأكثر المتأخرين على أنها إن وجدت محرماً لا يكون عليها نفقته يفترض عليه الحج، وإلا فلا.
[الفصل الثاني: في بيان ركن الحج وكيفية وجوبه]
فنقول: ركن الحج شيئان: الوقوف بعرفة، وطواف الزيارة إلا أن الوقوف بعرفة في الركنية فوق طواف الزيارة؛ لأن الوقوف يؤدى في حال قيام الإحرام من كل وجه، والطواف يؤدى حال قيام الإحرام من وجه؛ لأنه يؤدى بعد الحلق، وقد حصل التحلل بالحلق عن جميع المحظورات إلا النساء، ولأجل ذلك قلنا: إذا جامع قبل الوقوف بعرفة فسد حجه، وعليه القضاء، ولو جامع بعد الوقوف بعرفة قبل طواف الزيارة لا يفسد حجه، ولا قضاء عليه.
وأما كيفية وجوبه، فنقول: ذكر الحسن الكرخي رحمه الله أنه يجب على الفور ولا يجوز التأخير عن أول أوقات الإمكان، وهذا قول أبي يوسف روى عنه بشر والمعلى، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهو قول أبي حنيفة رحمه الله في أصح الروايتين.
وقال محمد: يجب على التراخي، وهو قول الشافعي.
محمد احتج بتأخير رسول الله عليه السلام الحج من غير عذر، بيانه: فيما روي أن فرضية الحج نزلت في سنة ثلاث من الهجرة ورسول الله حج سنة عشر، وما كان به عذر. وأبو يوسف يحمل ذلك على العذر التأخير بعذر جائز.
[الفصل الثالث: في تعليم أعمال الحج]
في «المنتقى» روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة رحمه الله: الأحسن للحاج أن يبدأ بمكة فإذا قضى نسكه أتى المدينة، قال محمد رحمه الله في «الأصل» : إذ أراد الرجل الإحرام ينبغي له أن ينوي بقلبه الحج والعمرة أيَّ ذلك أراد الإحرام له، ويلبي ولا يصير داخلاً في الحرام بمجرد النية، ولم يضم إليها التلبية، أو يسوق هدياً.
واعلم بأن الروايات قد اختلفت في هذا الفصل في رواية ابن سماعة بمجرد النية، لا يصير محرماً إلا أن يلبي أو يكبر أو يذكر الله، يريد به الإحرام.
وفي رواية أخرى عنه: أنَّ بتقليد الهدي والسوق والتوجه معه يصير محرماً كما يصير محرماً بالتلبية وبذكر الله تعالى، وروى الحسن بن أبي مالك عن أبي يوسف أن من نوى الدخول في الإحرام، فهو محرم.