وذكر هذه الروايات في الباب الرابع من حج «المنتقى» ، وفي باب الخامس من حج «المنتقى» داود بن رشيد عن محمد رجل خرج يريد الحج، فأحرم لا ينوي شيئاً، فهو حج بناءً على أن العبادات لصيرورته سابقة عليها جائز، وهذه المسألة دليل على أن التلبية والذكر ليس بشرط لصيرورته محرماً.
وفي هذا الباب أيضاً الحسن بن زياد عن أبي حنيفة: رجل أتى الحج، وهو يريد العمرة وأتى بالعمرة وهو يريد الحج فهو كان ما نواه، وإن قال: لبيك بحجة وهو ينوي الحج والعمرة كان قارناً، وفي المسألة إشكال من وجهين:
أحدهما: أنه اعتبر النية، ولم يعتبر اللفظ. والثاني: أن الحج في قوله: لبيك بحجة يكره في موضع الإثبات، فكيف جعله قارناً إذا نوى الحج والعمرة جميعاً؟ الجواب.
أما الأول: قلنا: الحج اسم لزيارة أماكن مخصوصة قصد الزائر تعظيمها، والعمرة كذلك، فإنها تسمى حجة صغرى، فالمنوي من محتملات اللفظ، فيكون هذا اعتبار اللفظ فيما يحتمله اللفظ لاعتبار النية بانفرادها.
وأما الثاني قلنا: القارن حاج كما أن المفرد حاج لكن القارن حاج بأبلغ جهات الحج، ففي الحقيقة هذا يرجع إلى صيغة الملتزم، ولا يرجع إلى العموم، والإحرام (١٦٨ب١) عندنا شرط جواز الحج حتى جاز تقديمه على أشهر الحج؛ لأن تقديم شرط العبادات على أوقاتها جائز، كتقديم الطهارة على وقت الصلاة، والمحرمون أنواع أربعة:
مفرد بالحج، ومفرد بالعمرة، وقارن، ومتمتع.
فالمفرد بالحج: أن يحرم بالحج من الميقات، أو قبل الميقات في أشهر الحج، أو غير أشهر الحج، ويذكر الحج بلسانه عند التلبية مع القصد بالقلب، ويقول: لبيك بحجة، أو ينوي الحج بقلبه، ولا يذكر بلسانه، والذكر باللسان أفضل، وركنه الوقوف بعرفة من وقت الزوال يوم عرفة، وطواف الزيارة يوم النحر، وواجباته أربعة: الوقوف بمزدلفة، ورمي الجمار، والسعي بين الصفا والمروة، وطواف الصدر.
وأما المفرد بالعمرة، فإنه يحرم للعمرة من الميقات أو قبل الميقات في أشهر الحج، ويذكر العمرة بلسانه عند التلبية مع القصد بالقلب، فيقول: لبيك بعمرة، أو يقصد العمرة بقلبه ولا يذكرها بلسانه، والذكر باللسان أفضل، وركنه الطواف، وواجبه السعي بين الصفا والمروة.
وأما القارن أن يحرم بالحج والعمرة معاً، ويذكرهما بلسانه عند التلبية مع القصد بالقلب، فيقول: لبيك بحجة وعمرة، أو يقصدهما بالقلب، ولا يذكرهما بلسانه، والذكر باللسان أفضل، فإذا لبى على هذا الوجه يصير محرماً بإحرامين، فيعتمر في أشهر الحج، أو قبله ويحج من عامه ذلك.
أما المتمتع: فهو أن يحرم بالعمرة من الميقات، أو قبله في أشهر الحج، أو قبله ويعتمر، ويحرم للحج، ويحج من عامه ذلك من غير أن يلم بأهله إلماماً صحيحاً، وسيأتي بيان المواقيت بعد هذا إن شاء الله تعالى.