الإراقة ما عجز عن التصدق باللحم، فيلزمه ما قدر عليه ولا يأكل منه لأن إباحة الأكل من الهدي، معلقة بقربة الإراقة كما في الأضحية وقربة الإراقة لا تتأدى بمثل هذا العيب كما لا تتأدى قربة الأضحية، فإذا لم توجد قربة الإراقة لا يحل الأكل، وإن كان النقصان المتمكن يسيراً بحيث لا يمنع أداء الواجب ذبحه ويتصدق بلحمه وأكله، لأن قربة الإراقة قد وجدت لأن ما لا يمنع أداء الواجب لا يمنع أداء التطوع، وهذا بخلاف هدي المتعة، فإنه لو عطب في الحرم قبل يوم النحر فذبحه لا يجزئه؛ لأن هدي المتعة مؤقت بيوم النحر فلا يجزئه الذبح قبل يوم النحر بخلاف هدي التطوع.
قال في «الأصل» : وإذا سرق هدي رجل فاشترى مكانها أخرى وقلدها وأوجبها، ثم وجد الأول فإن نحرها، فهو أفضل؛ لأنه أوجبها الأول على نفسه مطلقاً وأوجبها الثاني بنية إسقاط الواجب، وتبين أنه ليس عليه حين وجد الأول، فالأفضل في مثل هذا المعنى، كما إذا شرع في صوم أو صلاة على ظن أنه عليه ثم تبين أنه ليس عليه، فإن نحر الأول وباع الآخر أجزأه، وإن نحر الآخر وباع الأول، فإن كان قيمة الآخر مثل قيمة الأول وأكثر فلا شيء عليه، وإن كان أقل يتصدق بفضل ما بينهما.
قال في «الأصل» : عقيب هذه المسائل: وهدي المتعة والتطوع في هذا، قالوا: وما ذكر محمد رحمه الله يبطل قول من قال بأن من الفقير إذا اشترى شاة بنية الأضحية فضلت فاشترى بأخرى، ثم وجد الأولى، أنه يلزمه أن يضحي بهما لأن الشراء بنية الأضحية بمنزلة النذر فكأنه نذر أن يضحى بالأخرى ووجه الإبطال أن محمد رحمه الله نص هنا على أن له بيع الآخر، وإن كان هذا في التطوع في هذا الواجب سواء.
وفي «المنتقى» : قال عيسى بن أبان في «نوادره» : قلت لمحمد: رجل قلد بدنة تطوعاً فضلّت منه، ثم اشترى مكانها أخرى هي أفضل منها وقلدها وأوجبها، ثم وجد الأولى قال: إن نحر الأولى تصدق بفضل الثانية عليها، وكذلك في الأضحية قلت: لو قلد بدنة تطوعاً وأوجبها فضلت منه، ثم اشترى مكانها بدنتين كل واحدة منهما أفضل من الأولى فقلدهما جميعاً، ثم وجد الأولى، قال: أحب إليّ أن ينحرهن جميعاً، وإن لم يفعل ينحر الأولى وإحدى هاتين، وأمسك إحداهما، والله أعلم.
[الفصل التاسع عشر: في الخطأ في الوقوف]
ذكر ابن سماعة في «نوادره» عن محمد رحمه الله في الإمام يخطىء، ويقف بالناس بعرفة يوم التروية لم يجز للناس حجتهم.
وفي «الجامع الصغير» : أهل عرفة وقفوا في يوم شهد قوم أنهم وقفوا في يوم النحر أجزأتهم حجتهم. وصورة المسألة: أن يشهد قوم برؤية هلال ذي الحجة في ليلة كان اليوم الذي وقفوا اليوم العاشر من ذي الحجة، وهذا لأن التحرز عن الخطأ غير ممكن،