في «فتاوى أبي الليث» أيضاً إذا قال: لله عليّ ثلاثين حجة ثلاثين نفساً في سنة واحدة إن مات قبل أن يجيء وقت الحج جاز الكلّ؛ لأنه لم يستطع بنفسه، فتبين أن شرط الإحجاج كان موجوداً، وإن (جاء) وقت الحج، وهو حي قادر على الحج بطلب حجة واحدة؛ لأنه استطاع، فتبين أن شرط الإحجاج وهو الناس لم يكن موجود، وكذلك كل سنة عليّ هذا.
إذا قال المريض: إن عافاني الله من مرضي هذا فعليّ حجة، فبرأ من مرضه، فعليه حجة، وإن لم يقل: فلله حجة، فبرأ وحج جاز ذلك عن حجة الإسلام؛ لأن الغالب من أمور الناس أنهم يريدون بهذا الكلام حجة الإسلام إذا لم يكن حج قبل ذلك، فإن نوى حجة غير حجة الإسلام أجزأه؛ لأنه نوى ما يحتمله.d
إذا قال: إن فعلت كذا فعليّ هدي، أو قال: فعليّ بدنه، فهذه المسألة لا بد لمعرفتها من أصل أن اسم الهدي عند الإطلاق يتناول الهدي، فنقول: اسم البدنة عند الإطلاق يتناول الإبل والبقر، قال عليه السلام «البدن من الإبل والبقر» قال علي رضي الله عنه: الهدي من ثلاثة، فهي من الإبل والبقر والشاة، ولأن الهدي اسم لما تهدى إليها كالإبل والبقر تحدياً البدنة؛ لأن البدن مشتقة من الضخامة والضخامة للإبل والبقر دون الشاة.
إذا عرفنا هذا جئنا إلى تخريج المسألة؛ فنقول: إذا قال: لله عليّ هدي نوى شيئاً من الأنواع الثلاثة فهو على ما نوى، وإن لم ينو شيئاً ينصرف إلى الشاة لأنه أدنى الأنواع الثلاثة، وإن قال: لله عليّ بدنة، فإن نوى شيئاً من النوعين فهو على ما نوى، وإن لم ينو شيئاً فله أن يختار أي النوعين شاء.
ثم في البدن إن نوى أن ينحرها بمكة لزمه أن ينحرها بمكة، وإن لم ينو ذلك نحرها في أي مكان شاء، وقال أبو يوسف (١٨٥ب١) ومحمد: يلزمه أن ينحرها بمكة، وفي الهدي يلزمه النحر بمكة، وإن لم ينو النحر بمكة بلا خلاف، ولا يجزي في الهدايا والضحايا إلا الجذع من الضأن إذا كان عظيماً والثني من غيره، والجذع من الضأن عند الفقهاء الذي أتى عليه أكثر الحول سبعة أشهر، فصاعداً، وعند أهل اللغة الذي أتى عليه ستة أشهر، والثني من الإبل الذي طعن في السنة السادسة، ومن البقر الذي طعن في السنة الثالثة ومن الغنم الذي طعن في السنة الثانية.
قال في «الأصل» : ويستحب للرجل أن يأكل من هدي المتعة والتطوع والقران، وكذلك يستحب له التصدق، وما أكثر من التصدق فهو أفضل، ولا يستحب له أن يتصدق بأقل من الثلث، وإذا بلغ هدي التطوع الحرم وعطب فيه قبل يوم النحر فإن كان قد تمكن منها نقصان يمنع أداء الواجب ذبحه وتصدق بلحمه، لأنه لما عينه للهدي فقد لزمه شيئان قربة الإراقة فيه والتصدق باللحم، فإذا تمكن فيه عيب يمنع قربة الإراقة إن عجز عن قربة