يملك النقض بدون الشهادة، والموهوب له يملك الرد على الواهب من غير شهادة؛ لأن الهبة في جانب الموهوب له غير لازمة، وكان كالمرتهن إذا شهد لغيره بالرهن حتى لو كانت الهبة بشرط العوض وتقابضا، ثم إن الموهوب له شهد مع رجل آخر أن هذا الرجل ابن الميت، كانت شهادتهما باطلة، لأنه ساع في نقض ما تم به، وهو لا يملك ذلك بدون الشهادة، لأن الهبة بشرط العوض لازمة من الجانبين.
وصار هذا نظير ما لو اشترى رجل من هذا الأخ شيئاً من الميراث، ثم شهد هذا المشتري مع رجل آخر بما قلنا، لم تقبل شهادته لما قلنا، وإذا لم تقبل هذه الشهادة كان للمشهود له بديونه؛ لأن يأخذ من الموهوب له ومن المشتري ذلك العين إن كانت قائمة وقيمتها إن كانت هالكة، لأن الموهوب له زعم أن الهبة لم تصح، وكذلك المشتري زعم أن الشراء لم يصح، وأن هذا العين ملك الابن فيؤمران بالدفع إليه إن كان قائماً وبرد القيمة إن كان هالكاً، والذي ذكرنا في الهبة كذلك الجواب في الصدقة، والله أعلم.
[الفصل الرابع والعشرون: في المتفرقات]
دابة في يدي رجل، يقال له محمد، فجاء رجل يقال له عمرو وقال: هذه الدابة التي في يد محمد كانت لزيد، أخذتها منه وديعة، ثم رددتها عليه، وقد مات زيد، فجاء وارثه لزيد وقال: هذه الدابة تصدق بها إلى زيد في حياته، وأنكر محمد ذلك، فجاء عمرو مع رجل آخر وشهدا بالدابة للمدعي، فإن كان الإيداع والرد معروفاً ظاهراً قبلت شهادتهما للمدعي، لأن عمراً بهذه الشهادة لم يدفع عن نفسه مغرماً، لأن عمراً إما إن كان مودع المالك بأن كان إيداع زيد إياه قبل التصدق بها على المدعي، أو كان مودعاً للغاصب بأن كان الإيداع من زيد بعد التصدق على المدعي والتسليم وأيهما كان فلا ضمان عليه إذا كان الرد ظاهراً، لأن المودع يبرأ بالرد على المودع، سواء كان المودع غاصباً أو مالكاً، فإذا برئ بالرد لم يدفع بهذه الشهادة عن نفسه مغرماً وإن كان الإيداع ظاهراً ولم يكن الرد ظاهراً، لا تقبل شهادة عمرو، علل محمد رحمه الله وقال: لأنه دافع عن نفسه مغرماً.
وطعن عيسى بن أبان فقال: ينبغي أن تقبل شهادته؛ لأنه ليس بدافع عن نفسه مغرماً، لأنه إنما يكون كذلك إذا كان يضمن للمدعي، لو لم تقبل شهادته بإقراره السابق بالأخذ وبإقراره اللاحق أن الملك للمدعي للحال الحاصل في ضمن الشهادة فلا يضمن، لأنه بهذه الشهادة أقر بالملك للمدعي للحال وملك زيد كان ثابتاً بتصادقهما، والإيداع منه كان ظاهراً، إلا أنه وقع الشك أن الإيداع منه كان قبل التصدق أو بعده، فإن كان قبل التصدق: كان مودع المالك حينئذ ويكون القول قوله في الرد، ولا يجب الضمان، وإن كان الإيداع بعد التصدق كان مودع الغاصب، فلا يبرأ عن الضمان متى لم يكن الرد