سدس القيمة مما وجب عليهما محولاً إلى الأخرى، فلا يكون ذلك مانعاً قبول شهادتهما.
فكذلك لو كانا دفعا نصف القيمة إلى الأولى بقضاء أو بغير قضاء ثم شهدا للأخرى لا تقبل شهادتهما، لأنهما بهذه الشهادة يريدان إبطال بعض ما ملكا من الأولى وهو السدس، وإذا لم تقبل شهادتهما بقيت الأخرى أمة للأولى وابن العم، ولا يضمن الشاهدان للأخرى شيئاً، وإن أقرا لهما بسدس القيمة إلا أنها لما بقيت أمة كان الإقرار لها إقراراً لمولاها ومولاها ابن العم والجارية الأولى وهما يكذبان الشاهدين في إقرارهما للأخرى بشيء، ومن أقر لمملوك إنسان بشيء وكذبه مولاه يبطل إقراره، فإن عتقت الأخرى يوماً من الدهر يضمن الشاهدان لها سدس قيمتها؛ لأنهما أقرا للأخرى بسدس قيمتها وهي تصدقهما في ذلك، فيضمنان لها ذلك، وهذا لا يشكل فيما إذا دفعا النصف إلى الأولى بقضاء قاض فلا يكون عليهما ضمانه، فكان عليهما ما بقي إلى ثلث قيمتهما، وذلك سدس قيمتهما لا غير إنما يشكل فيما إذا دفعا نصف قيمتها إلى الأولى بغير قضاء، وفي هذا الوجه يجب أن يضمنا للأخرى ثلث قيمتهما؛ لأنهما أقرا للأخرى بثلث قيمتهما ودفع السدس إلى الأولى كان بغير قضاء، فلا يبرآن منه، فكان عليهما ضمانه، وقد بقي عليهما سدس قيمتهما فيضمنان للأخرى ثلث قيمتهما لهذا.
وأجاب الفقيه أبو إسحاق الحافظ رحمه الله عن هذا الإشكال، وقال: بأن القاضي لما قضى عليهما بالسعاية الأولى في نصف القيمة فقد قضى بدفع نصف القيمة إلى الأولى، فبعد ذلك إن وجد القضاء بدفع النصف إليها مرة أخرى فهو تأكيد لذلك القضاء، وإن لم يوجد كان القضاء الأول كافياً، والدفع متى حصل بقضاء يوجب براءة الدافع عن قدر المدفوع، ولو شهدا للأمة الأخرى أنها أخت الميت بعدما شهدا للأولى أنها ابنة الميت لا تقبل شهادتهما، قضى القاضي بشهادتهما أو لم يقض، لأن في قبولها ابتداء إبطالها انتهاء؛ لأنه يظهر أن الميت ترك ابنة وأختاً وابن عم، وفي هذه الحالة لا يكون لابن العم شيىء لكون الأخت عصبة في هذه الحالة، فظهر أن إعتاق ابن العم العبدين كان باطلاً، وأنهما بقيا عبدين وشهادة العبد لا تقبل، ولا يضمن العبدان للأخت شيئاً. وإن أقرا لهما بنصف قيمتهما لما قلنا: فإن عتقت يوماً من الدهر ضمنا نصف قيمتهما لما مر.
رجل مات فشهد قوم عند القاضي لرجل أنه أخوه لأبيه وأمه ووارثه، لا وارث له غيره فقضى القاضي بذلك وقد كان للميت على رجل ألف درهم، فوهبه الأخ له أو وهب لإنسان عيناً من التركة، ثم شهد هذا الموهوب له ورجل آخر لإنسان أنه ابن الميت، جازت شهادتهما، لأن هذه شهادة على الموهوب له، فإنه يبطل بهذه الشهادة ما حصل له بالهبة من العين والدين فكانت هي من أصدق الشهادات، وكان ينبغي أن لا تقبل شهادته فيما إذا كان الموهوب عيناً، لأن الموهوب إذا كان عيناً فالهبة لا تتم إلا بقبول الموهوب له، فكان هو بهذه الشهادة ساعياً في نقض ما تم به، وهذا مانع قبول الشهادة، والجواب عن هذا: أن يقال بأن السعي في نقض ما تم به إنما يمنع قبول الشهادة إذا كان هو لا