للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثالث والعشرون: في الشهادة على النسب]

رجل مات وترك عبدين وأمتين صغيرتين ولدتا في ملكه، وابن عم له لا وارث له غيره، فأعتق ابن العم الغلامين، فشهدا بعد عتقهما أن إحدى الجاريتين بعينها بنت الميت أقر بها في حياته وصحته، لم تقبل شهادتهما عند أبي حنيفة رحمه الله؛ لأنا لو قبلناها ابتداء أبطلناها انتهاء.

بيانه: أنه إذا ثبت نسبها من الميت ظهر أن الميراث كان بينها وبين ابن العم نصفين، فظهر أن العبدين كانا بينهما نصفين، فإن ابن العم لما أعتقهما لم يعتق منهما إلا نصيب ابن العم لما عرف من أصله أن الإعتاق يتجزأ، وكان معتق البعض عبده ومعتق البعض عبده بمنزلة المكاتب، وشهادة المكاتب باطلة وعندهما تقبل الشهادة، لأنا متى قبلنا شهادتهما في الابتداء لم نحتج إلى إبطالها في الانتهاء؛ لأنه ظهر أنهما شهدا وهما حرّان لا دين عليهما إن كان المعتق موسراً، أو حرّان وعليهما دين إن كان المعتق معسراً، وشهادة الحر مقبولة مديوناً كان أو غير مديون، فإن شهدا للجارية الأخرى بمثل ذلك بطلت الشهادة أيضاً عند أبي حنيفة رحمه الله، لأنه يصير لابن العم في هذا الوجه الثلث، فكان معتق البعض أيضاً، والتقريب ما مر.

وأما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: إن شهدا للجارية الأخرى بذلك قبل قضاء القاضي للجارية الأولى قبلت شهادتهما، ويجعلهما ابنتين للميت، سواء كان ابن العم موسراً أو معسراً، لأنهما حرّان عندهما لم يجران إلى أنفسهما مغنماً ولا دفعا عن أنفسهما مغرماً بشهادتهما، بل أوجبا على أنفسهما ثلثي السعاية للابنتين إن كان ابن العم معسراً، ولم يحولا ضماناً وجب عليهما، أما إذا كان ابن العم موسراً؛ فلأن يسار المعتق عندهما يمنع استبقاء العبد، وأما إذا كان معسراً؛ فلأن القاضي لم يقض بالسعاية على العبد بعد، حيث لم يقض بكون الأولى بنتاً للميت، وتحويل الضمان قبل وجوب الضمان محال، فبعد ذلك إن كان المعتق معسراً سعى كل واحد من العبدين في ثلثي قيمته للابنتين، وإن كان موسراً ضمن ثلثي قيمة العبدين للابنتين نصفان، ولو كان ذلك بعد قضاء القاضي للبنت الأولى، فإن كان ابن العم موسراً تقبل شهادتهما؛ لأن المعتق إذا كان موسراً لم يجب للبنت الأولى عليهما السعاية، فهما بشهادتهما لم يحولا ضماناً وجب عليهما للأولى إلى الثانية، وإن كان معسراً فهذا على وجهين: أما إن أقرت الأولى للأخرى أو لم تقر، فإن لم تقر لم تقبل شهادتهما، لأنه وجب عليهما السعاية في نصف قيمتهما للأولى، فهما بشهادتهما يحولان سدس القيمة إلى الثانية، ولهما في هذا التحويل فائدة فلا تقبل شهادتهما وإن أقرت الأولى للأخرى تقبل شهادتهما، وإن حصل تحويل سدس القيمة من الأولى إلى الثانية، إلا أن هذا التحويل في الحاصل ما حصل بشهادتهما، إنما حصل (١٥٥أ٤) بإقرار الأولى بدليل أنهما لو لم يشهدا بذلك كان

<<  <  ج: ص:  >  >>