العدو بعدما صلى الظهر ثلاث ركعات، وانصرفت طائفة منهم ليقفوا بإزاء العدو، لا ذكر لهذا الفصل في «الكتاب» .
وقد اختلف المشايخ، قال بعضهم: لا تفسد صلاتهم؛ لأن بعد أداء الشطر إلى أن يفرغ الإمام أوان الانحراف للطائفة الأولى. وبعضهم قالوا: تفسد صلاتهم لأن الخوف تحقق في الشفع الثاني، فكان حكمهم حكم الطائفة الثانية، وليس هذا أوان الانحراف في حق الطائفة الثانية.
فلو أن الإمام قال لأصحابه: لتقف طائفة منكم في موضع كذا ينتظرون العدو ... حضور العدو وصلى بطائفة أخرى جاز له ذلك، هكذا ينبغي للإمام أن يفعل؛ لأن العدو إذا لم يكن حاضراً لا يجوز له صلاة الخوف، وربما يحضر العدو في حال لا يمكنهم الانحراف، فكان النظر في هذا، فإن أقبل العدو فاستقبلهم الطائفة الواقفون وانحرف طائفة من المصلين مع الإمام، إن كان الانحراف بعد الركعة الأولى تفسد صلاتهم، وإن كان الانحراف بعد الركعة الثانية لا تفسد صلاتهم لما مر.
فإن افتتح الإمام الصلاة بطائفة والعدو حاضر، ثم ذهب العدو بعدما صلوا شطر الصلاة لا ينبغي لهم أن ينحرفوا ولكن الطائفة الثانية يأتون فيصلون بقية الصلاة، فإن انحرفت الطائفة الأولى تفسد صلاتهم، لأن الانحراف مفسد للصلاة بنصية «الأصل» ، وإنما رخص بالشرع لأجل الضرورة، فإذا زالت الضررة يرد إلى الأصل.
[الفصل التاسع والعشرون في صلاة الكسوف]
اعلم بأن صلاة الكسوف مشروعة ثبتت شرعيتها بالكتاب والسنّة.
أما الكتاب قوله تعالى:{وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِالاْيَتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الاْوَّلُونَ وَءاتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالاْيَتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا}(الإسراء: ٥٩) والكسوف آية من آيات الله المخوفة، أما أنه من آيات الله؛ لأن الخلق عاجزون عن ذلك وأنه من آيات الله المخوفة؛ لأنها مبدلة لنعمة النور إلى الظلمة، وتبديل النعمة إلى ضدها تخويف؛ ولأن القلوب تفزع بذلك طبعاً، فكانت من آيات الله المخوفة، والله تعالى إنما يخوف عباده ليتركوا المعاصي، ويرجعون إلى طاعة الله تعالى التي فيها فوزهم، وأقرب أحوال العبد في الرجوع إلى ربه حالة الصلاة.
وأما السنّة فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّمأنه قال:«إذا رأيتم من هذه الأفزع شيئاً فافزعوا إلى الصلاة» . بعد هذا يحتاج إلى أربعة أشياء: إلى معرفة سبب شرعيتها، وشرط جوازها، وصفتها، وكيفية أدائها.