وشهد آخر أن الطالب أقر أن وكيلاً له قبضها منه، وقال المطلوب: لم يشهد لي على قبض الوكيل، فقد أكذب شاهد الوكالة، ولو قال: قد أشهد لي بهاتين الشهادتين إلا أني دفعتها إليه في يده، فإنه يقضي له بالبراءة منها، ولو لم يقل دفعتها إليه في يده ولكن قال: دفعتها إلى وكيله لم يقض له بالبراءة منها حتى يأتي بشاهد آخر على دفعها إلى الوكيل من قبل أنه أقر أنه دفعها إلى غيره، ولم يشهد على وكالته إلا واحداً.
وإذا ادعى عبداً في يدي رجل أنه، له وشهد آخر أن فلاناً وهبه منه وهو يملكه فهو جائز، وكذلك الصدقة، وإن جاء فلان وأنكر ذلك قال: يجيء بشاهد آخر على الهبة والصدقة، ولو شهد واحد أنه له وشهد آخر أنه اشتراه من فلان وهو يملكه لا تقبل الشهادة؛ لأن المشهود به قد اختلف، هذه الجملة من «المنتقى» .
ولو شهد أحد الشاهدين على الشراء مع العيب، وشهد الآخر على الإقرار على الشراء مع العيب لا تقبل، وكذا لو شهد أحدهما على قيمة الثوب المغصوب الهالك أنها كذا وشهد الآخر على الإقرار بذلك لا تقبل.
وإذا ادعى على رجل ألف درهم وقال: خمسمئة منها ثمن عبد اشتراه مني وقبضه، وخمسمئة منها من ثمن متاع اشتراه مني وقبضه، وشهد الشهود له بالخمسمئة مطلقاً قبلت الشهادة على الخمسمئة؛ لأنهما اتفقا على هذا المقدار، وذكر السبب ليس بشرط، فهذه المسألة تنصيص على أن المدعي إذا ادعى الدين بسبب وشهد الشهود بالدين مطلقاً أنه تقبل ويقضى بالدين، وبه كان يفتي الشيخ الإمام ظهير الدين المرغيناني رحمه الله، والمسألة مرت من قبل والله أعلم.
[الفصل الثاني والعشرون: في التناقض في الدعوى والشهادة]
قال محمد في «الجامع» : رجل في يديه دار جاء رجل وادعى أنها داره اشتراها من فلان، وجاء بشاهدين شهدا أن فلاناً ذلك وهبها وقبضها منه وهو يملكها، فالقاضي لا يقبل هذه الشهادة، لأنها خالفت الدعوى صورة ومعنى، أما صورة: فظاهر، وأما معنى: فلان الشراء يوجب الملك بعوض، والهبة توجب الملك بغير عوض، ويثبت في الشراء خيار الرؤية وخيار العيب ولا يثبت في الهبة، وإذا استحق المشترى من يد المشتري يرجع على البائع بالثمن، والموهوب له عند الاستحقاق لا يرجع على الواهب بشيء، فان وفق المدعي فقال: كنت اشتريته منه إلا أنه جحدني الشراء وعجزت عن إثباته بالبينة، فتشفعت له حتى يهبها مني فوهبها مني بعد ذلك وقبضتها، وأعاد البينة قبلت بينته، وليس معنى قول محمد رحمه الله في «الكتاب» : وأعاد البينة على ذلك أعاد البينة على أنه كان اشتراها من فلان وجحد فلان البيع، ثم وهبها منه كما ذهب إليه الفقيه أبو القاسم الصفار البلخي رحمه الله؛ لأنه لو وجد بينة على الشراء لاستغنى عن إقامة البينة على الهبة،