للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثاني عشر: في الصدقة]

قال محمد رحمه الله في «الأصل» : والصدقة بمنزلة هبة في المشاع وغير المشاع في حاجتها إلى القبض؛ لأنها تبرع كالهبة، قال: إلا أنه لا رجوع في الصدقة إذا تمت، فقد بقي الرجوع في الصدقة مطلقا من غير فصل بينهما إذا كان المتصدق عليه غنيا أو فقيرا، واختلفا المشايخ فيه، فمنهم من قال: ما ذكر من الجواب محمول على ما إذا كان المصدق عليه فقيرا، أما إذا كان غنيا كان للمتصدق حق الرجوع؛ لأن الصدقة على الغني هبة كما أن الهبة من الفقير صدقة، ومنهم من سوّى بين الفقير والغني. فظاهر الإطلاق في «الكتاب» يدل عليه، وذكر في «المنتقى» أنه لا رجوع في الصدقة سواء كانت الصدقة على فقير أو غني، قال أئمة القياس في الصدقة: على الغني الرجوع استحساناً، وقلنا: بأنه لارجوع؛ لأن التتصيص على الصدقة دليل على أن غرضه الثواب، قال عليه السلام «: الصدقة ما يبتغى به وجه الله» والصدقة على الغني قد تكون شيئاً في الثواب كأن كان له نصاب وعيال لا يكفيه فيكون في الصدقة عليه ثوابان، أما إذا وهب الفقير شيئاً فلا رجوع فيه استحساناً ذكر المسألة في «الأصل» مطلقاً، وذكر في بعضها: إذا وهبها منه وهو محتاج على وجه الصدقة، وذكر في بعضها إذا وهبها من الفقير وهو عالم بحاله قال في «الأصل» وكذا إذا أعطى سائلاً أو محتاجاً على وجه الحاجة (٣٥أ٣) ولم ينص على الصدقة، فلا رجوع فيها استحساناً.Y

في «المنتقى» : إبراهيم عن محمد: رجل تصدق على رجل بصدقة وسلمها إليه له الصدقة فأقاله لم يجز حتى يقبض؛ لأنها هبة مستقبلة، كذلك الهبة إذا كانت لذي رحم، وقال: كل شيء لا يفسخه القاضي إذا اختصما إليه فهذا حكمه، وكل شيء فسخه القاضي إذا اختصما إليه فأقاله الموهوب فهو مال للواهب، وإن قبض.

يجب أن يعلم بأن الصدقة لا تقبل الإقالة والفسخ، فنجعل إقالة الصدقة تمليكاً مبتدءاً وهبة مبتدأة؛ لأن في الإقالة معنى التمليك فيجعل إقالة الصدقة مجازاً عن معناها وهو التمليك المبتدأ عن تعذر العمل بالحقيقة، والهبة ابتداء لا تعمل قبل القبض، وكذلك الوجه في كل هبة لا يفسخها القاضي إذا اختصما إليه، أما كل هبة يفسخها القاضي إذا اختصما فيها إليه فالعمل بحقيقة الإقالة فعملنا بحقيقتها، وفي الإقالات لا حاجة إلى القبض كما في باب البيع، فتعود العين إلى ملك الواهب بنفس الإقالة من غير أن يحتاج فيه إلى القبض.

وفيه أيضاً: إذا تصدق بداره على امرأته وعلى ما في بطنها وهي حامل لم يجز شيء من الصدقة. قال: وليس ما في بطنها بمنزلة الربح والحائط والميت ومن لا يملك بوجه من الوجوه لتكون الصدقة كلها للمراة، وكذلك لو قال لها: تصدقت عليك وعلى الرجل الذي في باب البيت، ففتح الباب فإذا ليس فيه أحد إنما هذا بمنزلة رجل قال: تصدقت بهذه الدار على بني الصغار الثلاثة وهو يرى أنهم أحياء وكان بعضهم ميتا قال هذا القائل وهو لا يعلم فالصدقة باطلة، ولو قال: هذا وهو يعلم بموت الميت منهم جازت الصدقة كلها للحي منهم، أشار إلى أن الإيجاب إذا وقع لمن يملك ومن لا يملك بوجه

<<  <  ج: ص:  >  >>