وإليه أشار في «السير الكبير» أيضاً في باب من يرضخ له من الأولاد وغيره، وقال بعضهم: له أن يودع، وهو اختيار مشايخ العراق، وبه أخذ الفقيه أبو الليث، والشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل، والصدر الشهيد برهان الأئمة، وإليه أشار محمد في آخر عارية الأجناس هؤلاء قالوا: ما ذكر في كتاب الوديعة تأول، وتأويله أن الإعارة قد انقطعت فبقي المستعير مودعاً، والمودع لا يملك الإيداع بالاتفاق، ولكن هذا التأويل غير صحيح على ما هو موضوع المسألة في «السير الكبير» فينظر ثمة ذكر شيخ الإسلام في شرح كتاب الديات في باب قبل باب..... للمستعير أن يربط الدابة في الدار المستعار؛ لأن ذلك من جملة السكنى، فهلكة المستعير كالمستأجر، ذكر الصدر الشهيد في الباب الأول من «واقعاته» : أن من أعار رجلاً شيئاً، وقال له: لا تدفع إلى غيرك، فدفع فهلك عنده فهو ضامن؛ لأنه دفع بغير إذنه، هكذا قاله أبو جعفر، قال الصدر الشهيد: مراده من هذه المسألة مال لا يختلف الناس في الانتفاع به، أما المال الذي يختلف الناس في الانتفاع يضمن بالدفع إلى غيره، وإن لم يقل له المالك لا تدفع إلى غيرك، وما ذكر الصدر الشهيد مستقيم فيما إذا كانت العارية مقيدة بشرط على المستعير أن ينتفع به بنفسه، أما إذا كانت الإعارة مطلقة لا يضمن المستعير بالدفع إلى غيره إذا لم يقل له المالك لا تدفع إلى غيرك، وإن كان مالاً يختلف الناس في الانتفاع به، وقد ذكرنا ذلك في أول الفصل.
[الفصل الرابع في خلاف المستعير]
استعار من آخر دابة ليحمل عليها شيئاً، فحمل عليها غير ذلك، فهذه المسألة على أربعة أوجه:
الأول: أن يحمل عليها غير ما سماه المالك، إلا أنه مثل ما سماه المالك في الضرر على الدابة من جنسه؛ بأن استعار ليحمل عشرة مخاتم من هذه الحنطة فحمل عليها عشرة مخاتم من حنطة أخرى، أو ليحمل عليها حنطة نفسه، فحمل عليها حنطة غيره، وفي هذا الوجه لا ضمان عليه؛ لأن هذا التقييد لم يعتبر إذ لا فائدة فيه.
الثاني: إذا خالف في الجنس بأن استعار ليحمل عليها عشرة أقفزة حنطة، فحمل عليها عشرة أقفزة شعير فهلكت لا ضمان عليه استحساناً؛ لأن هذا أقل ضرراً بالدابة، فأما إذا حمل عليها أكثر من عشرة مخاتم من الشعير؛ إلا أنه في الوزن مثل الحنطة؛ ذكر شمس الأئمة السرخسي أنه يضمن مطلقاً، وذكر الشيخ الإمام الزاهد شيخ الإسلام: أنه لا يضمن استحساناً، وهو الأصح؛ لأن ضرر الشعير مثل ضرر الحنطة في حق الدابة عند