الفصل العاشر: في إيقاع الطلاق على امرأة بعينها ثمّ الرجوع عنها بالإيقاع على أخرى
يجب أن تعلم أنّ كلمة «بل» متى دخلت في الكلام الصادر على الإثبات كانت للرجوع عن الأوّل، ولإقامة الثاني مقام الأوّل على سبيل استدراك الغلط، يقال: جاءني زيد بل عمرو، وكان قوله بل عمرو رجوع عمّا أخبر عن مجيء زيد، وإقامة لمجيء عمرو مقام مجيء زيد على سبيل استدراك الغلط، كأنّه قال كان عزمي أن أخبر عن مجيء عمرو، فغلطت وأخبرت عن مجيء زيد، ثمَّ استدرك ذلك الغلط بقولي بل عمرو.
وفي كلام الله تعالى متى دخلت هذه الكلمة على الإثبات كانت لإبطال الأوّل ولإقامة الثاني مقام الأوّل، ولكن لا على سبيل استدراك الغلط؛ لأنَّ الغلط على الله لا يجوز والغلط على العباد يجوز، (.....) وكلمة: «لا بل» نظير كلمة بل، لأنهما يستعملان استعمالاً واحداً، وقوله:«لا» لتأكيد النفي المستفاد بقوله بل، وإذا كانت هذه الكلمة في الإثبات للرجوع عن الأوّل ولإقامة الثاني مقام الأوّل على سبيل استدراك الغلط ينظر:
إن كان الأوّل شيئاً يصح الرجوع عنه ينفى الأوّل، ويثبت الثاني مقام الأوّل.
وإن كان الأوّل شيئاً لا يصح الرجوع عنه لا ينتفي الأوّل، بل يبقى (٢٥٠ب١) على حاله ويثبت للثاني إثباتاً لحكم الدليل بقدر الإمكان، إلا أنَّ المتكلم إذا لم يذكر للمذكور عقيب كلمة «لا بل» خبراً على هذه يجعل الخبر المذكور لما قبلها خبراً للمذكور عقيبها، صيانة له عن البطلان، ومتى ذكر للمذكور عقيب هذه الكلمة خبراً لا يجعل الخبر المذكور لما قبلها خبراً؛ لأنّه صحيح بدونه، فلا حاجة إلى جعله خبراً له، ومتى دخلت هذه الكلمة على النفي لا يوجب رجوعاً عن الكلام الأوّل، وإنّما يوجب نفي الفعل عن الاسم الأوّل بإثبات ذلك المنفي للثاني، أو بإثبات فعل آخر للأوّل.
نظير الأوّل قول الرجل: ما قام زيد لا بل عمرو، نفي الكلام لزيد وإثباته لعمرو. ومثال الثاني قول الرجل: ما قام زيد بل قعد، نفى القيام عن زيد وإثبات الوجود له، هذا هو الكلام في كلمة بل وحدها أو مع لا.
وأما جاء كلمة لا بدون بل متى دخلت على الإثبات كانت لتأكيد ما أثبته الأوّل بنفيه عن الثاني، ومتى دخلت على النفي، كانت لتأكيد ما نفاه عن الأوّل بإثبات ضدّه للثاني.
مثال الأوّل: جاءني زيد لا عمرو. كان قوله: لا عمرو لتأكيد إثبات المجيء لزيد بنفي المجيء عن عمرو.