ومثال الثاني: ما جاءني زيد لا عمرو كان قوله: لا عمرو لتأكيد نفي المجيء عن زيد بإثبات المجيء لعمرو.
جئنا إلى المسائل: قال محمّد رحمه الله في «الجامع» : وإذا كان للرجل امرأتان، فقال لإحداهما أنت طالق إن دخلت الدّار لا بل هذه، وأشار إلى امرأة أخرى لا تطلق واحدة منهما ما لم تدخل الأولى الدّار لم تطلق. وإذا دخلت الأولى الدار طلقتا، وإن دخلت الأخرى الدار لم تطلق واحدة منهما، قال محمدّ رحمه الله: وقوله: لا بل هذه على الطلاق خاصّة والوجه لما ذكرنا في «الجامع» أنّه علق طلاق الأولى بدخولها الدّار، حيث قال لها: أنت طالق إن دخلت هذه الدّار، وبقوله: لا بل هذه رجع عن تعليق طلاق الأولى بدخولها، وعلق طلاق الأخرى بطريق استدراك الغلط، كأنّه قال: من عزمي أن أعلق طلاق الأخرى، إلا أنّي غلطت، فعلقت طلاق الأولى. إلا أنّه لا يملك الرجوع عن تعليق طلاق الأولى، ويملك تعليق طلاق الأخرى، فبقي طلاق الأولى معلقاً بدخولها الدار، وتعلق طلاق الثانية بالدخول، وإذا تعلق طلاق الثانية بالدخول، يتعلق طلاقهما بدخول الأولى؛ لأن كلمة «لا بل» لإبطال الأوّل، وإقامة الثاني مقام الأوّل على سبيل استدراك الغلط، يجب أن يكون المثبت في حق الثانية مثل المثبت في حق الأولى. وإنّما يكون كذلك إذا تعلق طلاق الثانية بدخول الأولى، كما تعلق طلاق الأولى بدخول الأولى. وقول محمّد رحمه الله في «الكتاب» قوله: «لا بل» هذه على الطلاق خاصّة، معناه أنه للرجوع عن الطلاق لا للرجوع عن الدخول.
وإن نوى الرجوع عن الشرط وهو الدخول دون الطلاق صحّت نيّته فيما بينه وبين الله تعالى؛ لأنّه نوى ما يحتمله لفظه إلا أنَّ القاضي لا يصدقه؛ لأنّه نوى أمراً بخلاف الظاهر، وفيه تخفيف عليه لأن الثانية لا تطلق بدخول الأولى الدار، فبعد ذلك إذا دخلت الأولى الدار طلقت الأولى في القضاء، وفيما بينه وبين ربّه وتطلق الثانية في القضاء، لا فيما بينه وبين ربّه وإن دخلت الثانية الدار طلقت الأولى في القضاء، وفيما بينه وبين ربه.
وكذلك لو قال لإحداهما: أنت طالق إن شئت لا بل هذه؛ لأنّ قوله لا بل هذه على الطلاق خاصة، لا على المشيئة كما في المسألة الأولى، إلا أنَّ فرق ما بين المسألتين أنَّ في هذه المسألة لو شاءت الأولى طلاق نفسها طلقت الأولى (بالنكاح) الأوّل دون الثانية. ولو شاءت الأولى طلاق الثانية طلقت الثانية بالكلام الثاني، دون الأولى. ولو شاءت الأولى طلاقها وطلاق الثانية طلقتا جميعاً. وفي مسألة أوّل الباب إذا دخلت الأولى الدار مرّة واحدة طلقت الأولى والثانية حميعاً.
والفرق أنَّ في المسألة الأولى علق طلاق كل واحدة بدخول الأولى الدار مطلقاً غير مقيّد بصفة، فإذا دخلت الأولى الدّار مرّة واحدة، فقد وجد شرط وقوع الطلاق عليها. وفي هذه المسألة ليس الشرط مشيئة مطلقة، فإنَّ الأولى بعد هذا التعليق لو شاءت الجاه أو المال لا تطلق، وإنّما الشرط مشيئة مقيّدة فالشرط في حقّ الأوّل مشيئة الأولى طلاق نفسها. والشرط في حقّ الثانية مشيئة الأولى طلاق الثانية.