وهذا لما ذكرنا أنَّ المسبب في مثل هذه الصورة في حقّ الثانية مثل المسبب في حقّ الأولى، والمسبب في حقّ الأولى تعليق طلاق الأولى بمشيئة الأولى طلاق الأولى، يجب أن يكون المسبب في حقّ الثانية تعلق طلاق الثانية بمشيئة الأولى طلاق الثانية، فإذا شاءت الأولى طلاقها وجد شرط وقوع الطلاق على الأولى دون الثانية وإذا شاءت الأولى طلاق الثانية وجد شرط وقوع الطلاق على الثانية دون الأولى. وإذا شاءت الأولى طلاقهما وجد شرط وقوع الطلاق عليهما. قول محمّد رحمه الله إذا شاءت الأولى طلاقها طلقت الأولى دون الثانية، وإذا شاءت طلاق الثانية طلقت الثانية دون الأولى، كلام محتمل يحتمل أن يكون المراد منه: أنَّ الأولى شاءت طلاق الثانية بعدما شاءت طلاق نفسها، فيكون هذا بياناً أنَّ الأولى إن شاءت طلاق الأخرى بعدما شاءت طلاق نفسها. ويحتمل أن يكون المراد منه: أن الأولى شاءت طلاق الأخرى ابتداءً، فلا يكون بياناً.
كذلك حكي عن أبي الحسن الكرخي رحمه الله أنّه إذا شاءت الأولى طلاق نفسها أوّلاً ليس لها أن تشاء طلاق الأخرى بعد ذلك. وإذا شاءت طلاق الأخرى أوّلاً ليس لها أن تشاء طلاق نفسها بعد ذلك، لأن المشيئة واحدة، فإذا شاءت مرّة ووقع الطلاق ارتفع اليمين، فلا يعود بعد ذلك، حتّى لا يؤدي إلى التكرار، إذ ليس في اللفظ ما يوجب التكرار. وعامّة المشايخ على أنَّ لها أن تشاء طلاق الأخرى بعد ما شاءت طلاق نفسها. وأن تشاء طلاق نفسها بعدما شاءت طلاق الأخرى. وأن المشيئة متعدّدة لما ذكرنا أنَّ تقدير المسألة، كأنّه قال للأولى: أنت طالق إن شئت طلاقك لا بل هذه طالق إن شئت أيتها الأولى طلاقها.
وإن نوى الرجوع عن المشيئة، صحّت نيّته فيما بينه (٢٥١ أ١) وبين ربّه؛ لأنّه نوى ما يحتمله. ولهذا لو صرح به يصح، فإذا شاءت الأولى طلاقها طلقت الأولى فيما بينه وبين ربّه. وإن شاءت الأخرى طلاق الأولى طلقت الأولى بنيته، وإن شاءت الأولى طلاق الأخرى طلقت الأخرى في القضاء، لا فيما بينه وبين الله تعالى.
واستشهد محمد رحمه الله لإيضاح مسألة المشيئة أنَّ قوله: لا بل هذه. على الطلاق خاصة، بما لو قال لها أنت طالق إن شاء الله لا بل هذه كان قوله: لا بل هذه على الطلاق خاصة، ويصير تقدير المسألة، كأنّه قال: أنتِ طالق، لا بل هذه إن شاء الله.
وفي «المنتقى» : إذا قال لها أنتِ طالق إن كلمت فلاناً لا بل هذه لامرأة أخرى، كان قوله: لا بل هذه على الكلام دون الطلاق، وإذا قال أردت بلا بل الطلاق ألزمته ذلك، فإذا كلمته طلقتا، وهذا يخالف ما ذكر في «الجامع» قال ثمة: ولو قال لها إن كلمت فلاناً، فأنتِ طالق لا بل هذه كان قوله لا بل هذه على الطلاق دون الكلام؛ لأنّه أخّر.
فإن قال لم أرد بقولي: لا بل هذه، الطلاق دينته فيما بين الله تعالى وبينه، ولم أدين في القضاء.