قال أبو حنيفة: وقت وجوب العشر عند وجود الخارج قال الله تعالى: {ومما أخرجنا لكم من الأرض}(البقرة: ٢٦٧) وقال أبو يوسف: عند الإدراك قال الله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده}(الأنعام: ١٤١) وقال محمد: عند استحقاقه وتصفيته، وحصوله في الحظائر. وثمرة هذا الاختلاف على قول أبي حنيفة تظهر في الاستهلاك، فإن ما يستهلكه قبل الوجوب لا يكون مضموناً عليه، وما يستهلكه بعد الوجوب يكون مضموناً عليه، وعندهما: يظهر في حق هذا الحكم، وفي حق تكميل النصاب؛ لأنهما يعتبران النصاب، فما هلك قبل الوجوب لا يكمل به النصاب، وما هلك بعد الوجوب لا يعدم الوجوب في الباقي، وإن انتقص النصاب كما في مال الزكاة، وما هلك من المال بعد الوجوب ألحق بغير فعل المالك سقط عنه من الواجب بقدره، ويفيد بما هلك في النصاب في قول من يعتبر النصاب؛ لأن الواجب عشره، فما هلك هالك بما فيه.
في «القدوري» قال أبو حنيفة: ما أكل من الثمرة، أو أطعم بثمن عشره، عند أبي يوسف أنه لا يضمن، ولكن بعشر ذلك في حق تكميل الأسوق.
وفي «المنتقى» قال أبو يوسف: ليس على الرجل فيما أكل من ثمره ونخله عشر، وقال: أنظر إلى رجل وعياله، وأترك له بقدر ما أظن أنه يكفيهم لأكلهم، وأحسبه لك لهم فيما أكلوا، وكأنه فعل ذلك دفعاً للحرج، قال: وأخذهم بالبغية، قال أبو حنيفة: آخذهم لكل شيء منه، ولا أحسبه لهم مما أكلوا شيئاً، وقال محمد: ما أكل حسب عليه من تسعة أعشاره، فالروايات اتفقت أن ما يعدو الكفاية له ولعياله يحتسب عليه من تسعة أعشاره، وإنما الخلاف في مقدار الكفاية، والله أعلم.
[الفصل الخامس في معرفة أرض العشر، وما العشر]
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : أرض العرب كلها عشرية، وهي من عذيب إلى مكة وعدن أبني إلى مهرة في أقصى اليمن، وكان ينبغي أن تكون أرض مكة خراجية؛ لأن رسول الله عليه السلام فتحها قهراً، وكل أرض فتحت قهراً تكون خراجية، وإن أسلم أهلها طوعاً بعد ذلك كأراضي العجم، وأراضي العجم، وأراضي العرب، إذا كان أهلها من أهل الكتاب، وقد فتحت عنوة، لكن جعلناها عشرية اتباعاً لفعل رسول الله عليه السلام، فإن رسول الله عليه السلام فتح مكة عنوة، وأسلم أهلها، وتركها عليهم، ووظف عليهم العشر والمعنى فيه: أن أهل مكة كانوا عبدة الأوثان، وعبدة الأوثان من مشركي العرب لا يقبل منهم إلا السيف، أو الإسلام، ولا يتركون على الكفر بالجزية والخراج.