يظهر له طالب، وإن شاء تصدق بها على أن يكون الثواب لصاحبها، وإن شاء باعها، وإن لم يكن دراهم أو دنانير، وأمسك ثمنها، فإن تصدق وحضر صاحبها فله الخيار؛ إن شاء بعد التصدق والثواب له، وإجازته الصدقة في الانتهاء بمنزلة الإذن في الابتداء، وإن شاء لم يجز الصدقة، وعند (١٠٨ب٢) عدم الإجازة إن كانت قائمة في يد الفقير أخذها منه، وإن كانت هالكة كان له الخيار؛ إن شاء ضمن الفقير، وإن شاء ضمن الملتقط، فإن قيل: كيف يضمن الملتقط وقد تصدق بإذن الشرع؟ قلنا: الشرع ما ألزمه التصدق، إنما أذن له في ذلك، ومثل هذا الإذن يسقط الإثم ما لا يسقط عصمةً يثبت حقاً للعبد كالإذن في الرمي إلى الصيد، حتى حكي عن القاضي الإمام أبي جعفر يقول: ما ذكر في «الكتاب» محمول على ما إذا تصدق بغير أمر القاضي، فأما إذا تصدق بأمر القاضي فليس للمالك أن يضمن الملتقط.
وإن كان الملتقط محتاجاً له فله أن يصرف اللقطة إلى نفسه بعد التعريف؛ لأن الصرف إلى فقير آخر والصرف إلى نفسه سواء، وإن كان غنياً فليس له أن يصرفها إلى نفسه، وإن باع القاضي اللقطة أو باع الملتقط بأمر القاضي، ثم حضر صاحبها وهي قائمة في يدي المشتري كان لصاحبها الخيار؛ إن شاء أجاز البيع وأخذ الثمن، وإن شاء أبطل البيع وأخذ عين ماله؛ لأن هذا بيع صدر لا عن ولاية، فيتوقف على إجازة المالك، وإن كانت قد هلكت، فالمالك بالخيار؛ إن شاء ضمن البائع، وعند ذلك هذا البيع من جهة البائع في ظاهر الرواية، وبه أخذ المشايخ، وفي رواية أخرى يبطل البيع، وبه أخذ بعض المشايخ.
وفي الوديعة: إذا باعها المودع، وسلمها إلى المشتري فهلكت في يد المشتري، ثم إن المالك ضمن البائع لم ينفذ البيع باتفاق الروايات، هكذا ذكر شيخ الإسلام في شرحه، وذكر شمس الأئمة السرخسي في «شرحه» : أن بيع المودع ينفذ من جهته كبيع الملتقط، وأشار إلى المعنى الجامع فقال: الملتقط حين دفعها ليبيعها بغير إذن القاضي صار ضامناً لها فيستند ملكه إلى تلك الحالة فينفذ بيعه، وإن شاء ضمن المشتري قيمتها، ورجع بالثمن على البائع، وجعل استرداد القيمة من يده بمنزلة استرداد العين من يده، في وديعة «فتاوى أهل سمرقند» : غريب مات في دار رجل، وليس له وارث معروف، وخلف من المال ما يساوى في دراهم، وصاحب الدار فقير، فأراد أن يتصدق بها على نفسه، فله ذلك؛ لأنه في معنى اللقطة.
[الفصل الثالث فيما يضمن الملتقط، وفيما لا يضمن إذا هلكت اللقطة في يد الملتقط]
فهذا على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يأخذها ليردها على المالك، ويشهد عند الأخذ شاهدين أنه إنما أخذها ليردها على المالك، وفي هذا الوجه لا ضمان؛ لأن أخذها ليردها على المالك مندوب