إذا قال: أسكنتك هذه الدار حياتك ولعقبك بعد موته فهذه عارية له حياته ولعقبه بعد موته، وذكر العقب لا يكون لغواً، والفرق: أن قوله هي هبة لك تمليك العين منه، وبعد مالك العين لا يبقى له ولاية الإيجاب لغيره فكان كلامه عارية في حقه وفي حق عقبه بعده، في «المنتقى» عن أبي يوسف إذا قال: لفلان نصف مالي لفلان ربع مالي نصف عبدي هذا فهذا هبة.
وفي «فتاوي النسفي» : إذا قال: لغيره هذه الجارية لك حلال فهذا على أنه أحل فرجها له فلا يجوز إلا أن يكون قبله كلام يستدل على أنه وهبها له، ولو قال: وهبت لك فرجها فهو هبة إذا قبضها.
[الفصل الثاني: فيما يجوز في الهبة وما لا يجوز]
قال محمد رحمه الله في «الأصل» : لا تجوز الهبة إلا محوزة مقسومة مقبوضة يستوي فيها الأجنبي والولد إذا كان بالغاً، وقوله لا يجوز: لا يتم الحكم، فالجواز ثابت قبل القبض باتفاق الصحابة، والقبض الذي يتعلق به تمام الهبة؛ القبض بإذن الواهب وذلك نوعان: صريح، ودلالة ففيما إذا أذن له بالقبض صريحاً يصح قبضه في المجلس وبعد الافتراق عن المجلس ويملكه قياساً واستحساناً، ولو نهاه عن القبض بعد الهبة لا يصح قبضه لا في المجلس ولا بعد الافتراق عن المجلس ولا يملكه قياساً، ولو لم يكن أذن له بالقبض ولم ينهه عنه إن قبضه في المجلس صح قبضه استحساناً ولم يصح قبضه قياساً، وإن قبضه بعد الافتراق عن المجلس لا يصح قبضه قياساً واستحساناً، ولو كان الموهوب غائباً فذهب وقبض، فالجواب فيه وفيما إذا كان حاضراً وقبضه بعد الافتراق عن المجلس سواء إن كان القبض بإذن الواهب جاز استحساناً لا قياساً، وإن كان بغير إذنه لا يجوز قياساً واستحساناً. وفي «البقالي» عن أبي يوسف إذا قال: اقبضه فقال: قبضت والموهوب حاضر جاز إذا لم يشرح الموهوب قبل قوله فقبضت، ولا يكفي قول قبلت، وإذا لم يقل اقبضه، فإنما القبض أن يقبله، فإذا لم يقل قبلت لم يجز وإن يقل إلا أن تكون الهبة....
في «المنتقى» إبراهيم عن محمد: إذا وهب جارية في البيت وليست بحضرتهما فقالت: قبلت لم يجز إلا أن يكون بحضرتهما، وقد ذكرنا أن الهبة لا تتم إلا بالقبض، والقبض نوعان: حقيقي وأنه ظاهر، وحكمي وذلك بالتخلية؛ لأنها إذا كانت بحضرتهما فقد تمكنت من قبضها حقيقة، وهو تفسير التخلية، وهذا قول محمد خاصة، وعن أبي يوسف: التخلية ليست بقبض في الهبة الصحيحة، فأما في الهبة الفاسدة فالتخلية ليست بقبض بلا خلاف، وفي «المنتقى» أيضاً: إذا وهب غلامه من رجل والغلام بحضرتهما ولم يقل له الواهب، فذهب الواهب وترك الغلام فليس له أن يقبضه حتى يأمره بقبضه.