[الفصل الثامن فيما إذا كان صاحب الوديعة أو المستودع غير واحد]
قال في «الأصل» : رجلان أودعا دراهم أو دنانير، أو ثياباً، أو دفاً أو عبيداً، فجاء أحدهما، وطلب حصته، والآخر غائب، قال أبو حنيفة رضي الله عنه: ليس للمودع أن يدفع إليه حصته، وقال أبو يوسف ومحمد: يدفع إليه حصته، ولا تكون قيمته جائزة على الغائب.
وضع المسألة في الدفع في «الأصل» وفي «الجامع الصغير» : وضعها في الأخذ فقال: ليس للحاضر أن يأخذ حصته من المودع عند أبي حنيفة رضي الله عنه، وعندهما له ذلك، فقد جمع في «الكتاب» من المكيل والموزون والعبيد والثياب، وأجاب عقيب الكل بجواب واحد، فقال: ليس للمودع أن يدفع إلى الحاضر حصته عند أبي حنيفة وعندهما يدفع، فمن مشايخنا من قال بأن الخلاف في الكل واحد.
ألا ترى أن محمداً لم يفصل في «الكتاب» بين المكيل، والموزون، وغيرهما، ومنهم من قال: الخلاف في المكيل، والموزون خاصة، فأما في الثياب والعبيد فليس للمودع أن يدفع إلى الحاضر حصته بلا خلاف، وهو الأشبه بالصواب؛ وهذا لأنا نعتبر يد المودع بيد المودع، وغير المكيل، والموزون لو كان في يد المودعين، وغاب الآخر لا يكون للحاضر أن يأخذ نصيبه من ذلك بالإجماع، فكذلك إذا كان في يد المودع.
في «المنتقى» : لو دفع المودع نصفها، ثم ملك ما بقي، وحضر الغائب؛ قال أبو يوسف: إن كان الدفع بقضاء، فلا ضمان على أحد بكون المسألة مجتهدة، وإن كان بغير قضاء فإن شاء الذي حضر أتبع الدافع بنصف ما دفع، ويرجع به الدافع على القابض، وإن شاء أخذ من القابض نصف ما قبض، ولو أراد أحد الرجلين أن يقيم البينة على المودع، أن الوديعة كلها له لا تسمع بينته، وكذا لو أراد أن يقيم البينة على إقرار صاحبه وقت الإيداع أن الوديعة كلها له؛ لا تسمع بينته، ولو أن المودع في هذه الصورة ادعى هلاك الوديعة، أو أخذ ظالم منه، فقال أحد المودعين: قد بقي في يدك شيء من الوديعة كان له أن يحلفه على ذلك بلا خلاف، فأبو حنيفة رضي الله عنه إن كان لا يرى استرداد الوديعة لأحدهما يرى حق الاستحلاف لأحدهما.
في «فتاوى النسفي» : وإذا كانت الوديعة عند رجلين من ثياب أو غير ذلك، فاقتسماها، وجعل كل واحد منهما نصفها في بيته، فهلك أحد النصفين أو كلاهما فلا ضمان، وإن أودعاها عند رجل فهلكت ضمناها، والحكم في المستنصفين والوصيين، والعدلين في الرهن هكذا، وإن ترك أحدهما كل الوديعة عند صاحبه إن كان شيئاً لا يحتمل القسمة لا يضمنان، وإن كان شيئاً يحتمل القسمة أجمعوا على أن المدفوع إليه لا يضمن، فأما الدافع فقد اختلفوا فيه.
قال أبو حنيفة رضي الله عنه: يضمن نصف الوديعة وما لا، لا يضمن شيئاً، وذكر