إذا قال المستودع لصاحب الوديعة: بعثت بها إليك مع رسولي، وسمى بعض من في عياله؛ بأن قال: مع ابني، أو قال: مع عبدي وما أشبهه؛ كان القول قوله؛ لأن له أن يرد بيد هؤلاء، كما له الرد بنفسه، ولو ادعى الرد بنفسه كان القول قوله، فكذا إذا ادعى الرد بيد هؤلاء، ولو قال: رددتها بيد أجنبي ووصلت إليك، فأنكر ذلك صاحب المال، فهو ضامن إلا أن يقر به رب الوديعة، أو يقيم المودع بينة على ذلك؛ لأنه ليس له الرد بيد الأجنبي، فإذا ادعى ذلك، فقد أقر بسبب الضمان، فقوله: وصل إليك ادعاء يبرئه عن الضمان، فلا يصدق إلا بحجة، والحجة إقرار رب الوديعة، أو البينة، فإن قال: بعثت بها إليك مع هذا الأجنبي، أو قال: استودعتها إياه، ثم ردها عليَّ، فضاعت عندي لا يصدق على ذلك إلا بحجة؛ لأنه أقر بسبب الضمان وادعى ما يبرئه، هذه المسائل في «الأصل» .
في «المنتقى» : ابن سماعة عن محمد: في رجل أودع رجلاً ألف درهم، فاشترى بها، ودفعها إليه، ثم استردها بهبة أو شراء وردها إلى موضعها برىء، فقد روى إبراهيم عن محمد إذا قضاها غريمه بأمر صاحب الوديعة، ثم وجدها زيوفاً فردها إليه، فهلكت ضمن حالاً، فقال: لأن له أن يستعملها في الذي يشارك كسائر أملاكه وههنا ليس له صرفها في منافعه، فهي عنده كالوديعة، فالتعليل على هذا الوجه مذكور في «الكتاب» يعني قوله في فصل القضاء من الوديعة صار مقرضاً الدراهم الوديعة منه، وصار المودع قابضاً دين نفسه، وصار مثل تلك الدراهم ديناً لصاحب الوديعة في ذمة المودع، فإذا ردت الدراهم على المودع، فقد عادت الدراهم إلى ملكه، فإذا هلكت؛ هلكت ضمن ماله؛ أما في فصل الشراء الدراهم لم تصر مملوكة للمودع، ووجب ردها بعينها؛ لأنها في حكم المغصوبة، فإذا ردها إلى مكانها فقد أتى بالمستحق عليه، فيبرأ عن الضمان.
في «الأصل» : إذا كانت الوديعة دراهم، أو دنانير، أو شيئاً من المكيل، والموزون، فأنفق المودع طائفة منها في حاجة نفسه؛ كان ضامناً لما أنفق منها، ولم يصر ضامناً لما بقي منها، فإن جاء بمثل ما أنفق، وخلطه صار ضامناً لجميع ما أنفق بالإتلاف، وما بقي من الخلط قالوا: وهذا إذا لم يجعل على ماله علامة حين خلط بمال الوديعة، أما إذا جعل لا يضمن إلا ما أنفق، وإن كان قد أخذ بعض الوديعة لينفقه في حاجته، ثم بدا له، فرده في مكانه، فضاع، فلا ضمان عليه.
واختلف (١٢٩ب٢) المشايخ في تخريج المسألة؛ بعضهم قالوا: لا يضمن أصلاً، وقال بعضهم: ضمن، ثم برىء بالرد إلى مكانه، وهو الصحيح؛ وهذا لأن الدفع بنية الإنفاق أخذ لنفسه، وإن أخذ لنفسه بسبب الضمان؛ لأنه خلاف كما لو كان ثوباً فلبسه، أو كان دابة، فركبها.
والدليل عليه: أن الدفع بنية البيع سبب الضمان حتى لو دفع ليبيع، وباع، وضمن القيمة نفذ البيع من جهته، وإنما ينفذ البيع إذا استند الملك إلى ما قبل البيع، وإنما لا يستند الملك إلى ما هو سبب الضمان.