[الفصل الأول: في بيان من يجوز له تقليد القضاء منه]
قال الخصاف في «أدب القاضي» : إنما يجوز تقليد القضاء لمن كان عالماً بالكتاب والسنة واجتهاد الرأي؛ لأن القاضي مأمور بالقضاء بحق، قال الله تعالى:{يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق}(ص: ٢٦) ، وإنما يمكنه القضاء بالحق، إذا كان عالماً بالكتاب والسنة واجتهاد الرأي، أما العلم بالكتاب والسنة؛ فلأن الاجتهاد في موضع النص باطل، فكان العمل بالنص في موضع النص متعيناً، وإنما يمكنه العمل بالنص، إذا كان عالماً به، وأما اجتهاد الرأي فلأن النصوص معدودة، والحوادث مهدودة، والإنسان لا يحد في كل حادثة تفصل به تلك الحادثة، فيحتاج إلى استنباط المعنى من المنصوص عليه، وإنما يمكنه ذلك، إذا كان عالماً باجتهاد الرأي، وعندنا العلم بالأدلة شرط الأولوية، وليس شرط جواز تقليد القضاء، حتى لو قلد جاهل وقضى هذا الجاهل بفتوى غيره، يجوز والصحيح مذهبنا؛ لأن المأمور في حق القاضي القضاء بالحق، والقضاء بما أنزل الله، والقضاء بفتوى الغير قضاء بالحق وبما أنزل الله تعالى.
والخصاف لم يشترط العدالة، وصاحب كتاب «الأقضية» أبو جعفر، شرط العدالة، وكذلك الخصاف شرط العدالة وهي شرط لازم عند الشافعي، وهكذا روي عن أصحابنا في غير رواية الأصول، وبه أخذ بعض مشايخنا، حتى إن قلد القضاء وهو غير عدل، لا يصير قاضياً.
وعلى ظاهر رواية أصحابنا العدالة شرط الأولوية، وهو اختيار عامة مشايخنا رحمهم الله، حتى أن الأولى أن لا يقلد الفاسق، ومع هذا لو قلد يصر قاضياً، اعتباراً للقضاء بالشهادة، فإن الأولى أن لا تقبل شهادة الفاسق، ومع هذا لو قبلت وقضى بها نفذ القضاء.
ولو قلد القضاء وهو عدل ثم فسق، فعلى قول الشافعي رحمه الله ينعزل، وإشارات محمد رحمه الله في الكتب متعارضة في بعضها يشير إلى أنه ينعزل، وبه أخذ بعض مشايخنا، وفي بعضها يشير إلى أنه لا ينعزل، ولكن به يستحق العزل، وبه أخذ عامة المشايخ، إلا إذا شرط في التقليد أنه متى خان ينعزل، فحينئذ ينعزل لأنها غايته لا بالجور وبعض مشايخنا قالوا:(٦٤ب٤) إن كان عدلاً حين قلده السلطان ثم فسق ينعزل، وإن كان فاسقاً حين قلده يصير قاضياً، وهذا لأنه إذا كان عدلاً يوم قلده فإنما، قلده اعتماداً