قالوا في كتب الفقه: إذا كانت لفقيه وهو يحتاج إلى استعمالها أنه لا تثبت بها الاستطاعة، وإن كان لجاهل تثبت الاستطاعة وإذا كان كتب الطب والنجوم، ثبتت له الاستطاعة سواء كان يحتاج إلى استعماله والنظر فيه، أو لا يحتاج.
وحكي عن الشيخ الإمام الجليل أبي بكر محمد بن الفضل رحمه الله أنه كان يقول: اختلف الناس في وجوب الحج على الرجل إذا كان عنده طعام، قال بعضهم: إذا كان عنده طعام سنة فهو فقير، ولا يلزمه الحج؛ لأن هذا القدر من الطعام مباح له إمساكه، وإن كان أكثر فهو من المحتكرين، وعليه الحج، وقال بعضهم: إذا كان عنده قوت شهر، فهو فقير لا يلزمه الحج، وإن كان أكثر من ذلك فهو غني، ويلزمه الحج.
وأما أمن الطريق، فقد روى أبو شجاع عن أبي حنيفة أنه من جملة الاستطاعة لا يثبت الوجوب بدونه كالزاد والراحلة، ومن أصحابنا من جعله شرط الأداء، وثمرة الخلاف إنما تظهر في حق وجوب الوصية بالحج، فمن جعله شرط الوجوب قال: لا تجب عليه الوصية، ومن جعله شرط الأداء يقول: تجب عليه الوصية.
وجه من جعله شرط الوجوب ظاهر أنه لا وصول إلى الحج إلا بأمن الطريق، كما لا وصول إليه إلا بالزاد والراحلة، ومن جعله شرط الأداء، وهو الفرق بين الزاد والراحلة أن بالزاد والراحلة (١٦٨أ١) يثبت التمكن من الأداء، فلا تثبت الاسطتاعة بدونهما، فأما خوف الطريق مبني بعجزهما عن الأداء، فهو في معنى المعارض والمانع، فلا تنعدم به الاستطاعة يعتبر هذا بالمحسوسات، فإن المقيد الممنوع عن المشي لا يكون نظير المريض الذي لا يقدر.
والمحرم في حق المرأة شرط، شابة كانت أو عجوزاً إذا كان بينها وبين مكة مسيرة ثلاثة أيام، واختلفوا في كون المحرم شرط الوجوب، أو شرط الأداء حسب اختلافهم في أمن الطريق، والمحرم: الزوج، ومن لا يجوز له مناكحتها على التأبيد برضاع أو صهريه؛ لأن المقصود من المحرم الحفظ؛ لأن النساء عرضة للفتنة، والزوج يحفظها، وكذا سائر محارمها يحفظونها، ولا يطمع فيها إذا لم تجز له مناكحتها على التأبيد، والحر والعبد والمسلم والذمي سواء؛ لأن كل ذي دين يقوم بحفظ محارمه، ولا يطمع فيها إذا لم تجز له مناكحتها على التأبيد.
قال القدوري في «شرحه» : إلا أن يكون مجوسياً يعتقد إباحة المناكحة، فلا تسافر معه؛ لأنه لا ينقطع طمعه عنها، ولهذا لا يجوز لها أن تخلو به، فكذا لا يجوز لها أن تسافر معه؛
قال القدوري أيضاً: وكذا المسلم إذا لم يكن مأموناً لا تسافر معه؛ لأن ما هو الغرض من المحرم لا يحصل به، والصبي الذي لم يحتلم لا غيرة له، وكذا المجنون الذي لا يفيق؛ لأن ما هو المقصود من المحرم وهو الحفظ لا يحصل بهما، ولا يجب عليها أن تتزوج إذا لم يكن لها زوج.
وإذا وجدت محرماً، ولا يأذن لها زوجها أن تخرج، فلها أن تخرج بغير إذنه في حجة الإسلام دون التطوع؛ لأن حق الزوج لا يظهر في العبادات المفروضة.