ولو كان اشترى بالألف عبداً قيمته خمسمائة وتقابضا وهلك العبد في يده لزمه زكاة خمسمئة، لأن بهذا القدر صار مستهلكاً؛ لأنه لمس بمقابلته عوض، وهذا غبن فاحش لأنه لا يدخل تحت تقويم المقومين والغبن الفاحش ليس بعفو؛ لأنه استهلاك بيقين، وعن أبي يوسف أن المشتري إنما يضمن زكاة خمسمائة إذا علم أن قيمة العبد خمسمائة واشتراه مع ذلك بالألف، أما إذا حسب أن قيمته ألف لا يضمن شيئاً، لأنه ما قصد الاستهلاك بل خدعه البائع، فكان مغروراً من جهته فيكون معذوراً، والصحيح ما ذكر في «الكتاب» ؛ لأن علم المشتري وجهله أمران باطنان لا يوقف عليهما، فلا يتعلق الحكم بها، بل يتعلق بسبب ظاهر، وفي الظاهر (١٣٥أ١) استهلاك، وما يقول البائع خدعه.
قلنا: إنما يكون كذلك إذا قال البائع هذا العبد يساوي ألفاً ورغبه في الشراء بالألف؛ لأنه يساوي، ولا كلام فيه حتى قال مشايخنا: لو قال البائع للمشتري ذلك لا يبعد أن يقول: لا يضمن المشتري.
رجل له ألف درهم حال عليها الحول ووجب فيها الزكاة، ثم إنه وهبها لرجل وسلمها إليه صار ضامناً للزكاة، لأنه صار مستهلكاً قدر الزكاة بإزالته عن ملكه بغير عوض أصلاً، فلو أن الواهب رجع في الهبة نقضاً بغير رضا وقبضها، وهلكت في يده فلا زكاة عليه.
علّل في «الكتاب» فقال: لأنها رجعت إلى حالتها الأولى، ومعنى هذا الكلام: أن الرجوع في الهبة فسخ في حق الناس كافة، والدراهم تتعين في الهبة، فتعين في فسخها، فعاد إليه قديم ملكه في الدراهم وارتفع الاستهلاك، فقد جعل الرجوع بالهبة فسخاً في حق الناس كافة، وإن حصل الرجوع بتراضيهما على رواية «الجامع» وفي كتاب الهبة........ هكذا على رواية أبي حفص، وعلى رواية أبي سليمان جعله عقداً جديداً في حق الثالث إذا حصل بتراضيهما.
وحكى الجصاص بإسناده عن محمد رحمه الله: أن القياس أن يكون الرجوع في الهبة فسخاً سواء بقضاء أو بغير قضاء غير أني أستحسن، فلا أجعله فسخاً إذا كان بغير قضاء، وعلى قول أبي يوسف هو فسخ على كل حال.
قيل: ما ذكر في «الجامع» وفي كتاب الهبة في رواية أبي حفص قياس، وما ذكر في رواية أبي سليمان والمتأخرون من مشايخنا قالوا: الصحيح ما ذكر في «الجامع» ، وفي كتاب الهبة في رواية أبي حفص، والوجه في ذلك أن الواهب بالرجوع يستوفي عين حقه؛ لأنه استحق الرجوع في الموهوب بنفس الهبة لا بدلاً عن شيء يصلح أن يكون الفسخ عوضاً عنه، وهذا لأن العوض المال وإن كان عوضاً للواهب بالهبة، إلا أن العوض المالي لا يصير مستحقاً بالمطالبة لمكان الجهالة، فلا يمكن أن يجعل الفسخ عوضاً عنه، وما عدا العوض المالي ليس بعوض، ولا مستحق بالعقد إذا لم يكن ما عدا العوض