للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المالي عوضاً ومستحقاً بعقد الهبة، ولا يمكن أن يجعل فسخه عوضاً عن العوض المالي كان الفسخ ثابتاً بنفس الهبة ابتداء لا بدلاً، ولهذا لو تعذر الفسخ بسبب من الأسباب لا يستحق الواهب الرجوع بشيء آخر.

فهو معنى قولنا: إن الواهب بالرجوع استوفى عين حقه، فلا يكون بيعاً جديداً، بل يكون فسخاً في حق الناس كافة، كما لو حصل الرجوع بقضاء.

ولم يذكر في «الكتاب» : إذا رجع في الهبة ولم يقبضها حتى هلكت في يد الموهوب له، هل يضمن قدر الزكاة؟ وقد اختلف المشايخ فيه بعضهم، قالوا: يضمنون؛ لأن سبب الضمان الهبة والتسليم، الهبة إن انتقضت بالرجوع، فالتسليم لم ينتقض، فلا يبطل الضمان، وبعضهم قالوا: لا يضمن؛ لأنه إنما ضمن بالهبة والتسليم من حيث إنه أزال قدر الزكاة عن ملكه بعدما تعلق به حق الفقراء من غير تلف لا من حيث إنه دفعه إلى غيره، وبالرجوع عاد إليه قديم ملكه على رواية هذ الكتاب، فزال سبب الضمان، فيزول الضمان.

ولو كان اشترى بالألف عبداً للخدمة بعد الحول حتى ضمن قدر الزكاة، ثم إن المشتري وجد بالعبد عيباً ورده بقضاء، أو بغير قضاء واسترد تلك الألف وهلك في يده لا تسقط عنه الزكاة؛ لأن سبب الضمان لم يزل؛ لأن أكثر ما في الباب أنه عاد إليه ملك الألف إلا أنها ما عادت إليه بسبب الفسخ؛ لأن الدراهم والدنانير لا يتعينان في فسخ البيع كما لا يتعينان في البيع، فالفسخ أوجب الألف ديناً في ذمة البائع، والمشتري أخذ هذه الألف عوضاً عما وجب في ذمة البائع، لا بحكم الفسخ، فلم يكن هذا الاسترداد إعادة إلى قديم الملك.

بل كان تمليكاً ابتداء عوضاً عما وجب في الذمة، وتجدد الملك يُنزّل منزلة تجدد البيع، ولو وصل إليه عين آخر اليسر أنه لا يرتفع حكم ذلك الاستهلاك كذا ههنا، بخلاف الرجوع في الهبة؛ لأن الدراهم والدنانير تتعينان في الهبة، فيتعينان في الفسخ فعين النصاب عاد إليه بناءً على انفساخ سبب الزوال، فافترقا من هذا الوجه.

رجل تزوج امرأة على ألف درهم، ودفعها إليها، فحال عليها الحول وهي في يدها حتى وجبت عليها الزكاة، ثم طلقها قبل الدخول بها وأخذ منها نصف الألف، لا يسقط عنها شيء من الزكاة؛ لأن الدراهم لا تتعين عند فسخ النكاح كما لا تتعين عند عقد النكاح، فبالطلاق قبل الدخول بها يجب عليه رد نصف الألف ديناً في الذمة، فهذا دين لحقها بعد الدخول، وقد قضت ذلك من محل تعلق به حق الفقراء، فصارت ضامنة للزكاة.

ولو تزوجها على إبل سائمة أو غنم سائمة أو بقر سائمة، ودفعها إليها، فحال الحول عليها، وهي عندها ثم طلقها قبل الدخول بها وأخذ منها النصف، فلا زكاة عليها في النصف الذي دفعت إلى الزوج، وإنما عليها الزكاة في النصف الباقي.

وهذا الجواب لا يشكل فيما إذا تزوجها على إبل بعينها؛ لأنها تعينت للرد،

<<  <  ج: ص:  >  >>