فالاستحقاق ورد على بعض النصاب بعينه، وإنه يوجب سقوط الزكاة بقدره، وإنما يشكل هنا إذا تزوجها على إبل بغير عينها ثم عينها؛ لأن الإبل إذا لم تكن معنية عند العقد، فعند الفسخ بطلاق الزوج لا يستحق عليها نصف المقبوض، وإنما يستحق مثل المقبوض ديناً في الذمة أو نصف قيمة المقبوض، فلم تصر عين مال الزكاة مستحقاً، فينبغي أن لا يسقط شيء من الزكاة، ألا ترى أن الإبل إذا لم تكن معنياً عند العقد، فالمرأة لا تستحق عين الإبل إنما تستحق أحد الشيئين؛ إما الوسط من المسمى أو القيمة، كذا الزوج عند الطلاق.
فمن مشايخنا من حمل المسألة على ما إذا تزوجها على إبل بعينها ألا ترى أن محمداً رحمه الله قال تزوجها على إبل سائمة وإسامة ما في الذمة لا يتصور، وإنما يتصور إسامة العين، ومنهم من قال الجواب في العين وغير العين على السواء، وهو الصحيح.
وإطلاق محمد رحمه الله في «الكتاب» يدل عليه، والتنصيص على السائمة لا يدل على إرادة العين.
فقد ذكر محمد رحمه الله في كتاب النكاح: إذا تزوجها على إبل سائمة بغير عينها، فالوجه في المسألة أن الإبل لم تكن معينة عند العقد إلا أن بعد ما عينها التحقت بالمعين وقت العقد كأن العقد من الابتداء ورد عليها، وإنما التحقت بالمعين وقت العقد ضرورة أنها لو لم تلتحق بالمعين وقت العقد (١٣٥ب١) وجب على المرأة بالطلاق قبل الدخول مثل ما يجب على الزوج عند العقد، ولا وجه إليه؛ لأنه وقع التفاوت بين مثل نصف المقبوض وبين المقبوض؛ لأن الحيوان ليست من ذوات الأمثال.
وكذا يقع التفاوت بين نصف المقبوض وقيمته، والتحرز عن هذا التفاوت ممكن بإيجاب نصف المقبوض وإلحاق المقبوض بالمعين وقت العقد، فألحقنا المقبوض بالمعين وقت العقد، فأوجبنا رد نصف المقبوض بخلاف ابتداء العقد؛ لأن الاحتراز عن هذا التفاوت في ابتداء العقد بإيجاب المعين غير ممكن إذ ثبت حالة العقد غير معين، فأما بعد الطلاق تعين المقبوض بالقبض فأمكن إيجاب نصفه تحرزاً عن التفاوت، وإذا أوجب عليها رد نصف المقبوض صار غير مال الزكاة مستحقاً عليها، وهذا بخلاف الدراهم؛ لأن الدراهم بالتعيين لا تلتحق بالمعين وقت العقد، وكيف تلتحق وإن تعيينها وقت العقد لا يصح.
ثم إن محمداً رحمه الله أوجب عليها الزكاة في النصف الباقي، ولم يشترط أن يكون ذلك نصاباً، وفرق بين هذا وبين ما إذا لم تقبض المرأة الإبل حتى طلقها بعد الحول قبل الدخول بها، فإن عليها زكاة نصفها إن كان نصاباً والفرق أن الصداق إذا كان عيناً وكان مقبوضاً، فبالطلاق قبل الدخول لا ينتقض ملكها في النصف إلا بقضاء ورضاء، وإذا لم يكن مقبوضاً فبالطلاق قبل الدخول ينتقض ملكها في النصف من الأصل من غير قضاء ولا رضاء.
فالوجه في ذلك: أن بالطلاق قبل الدخول يفسد سبب الملك في نصف الصداق؛