يكون على اعتدال الأحوال لا يكون كضبط الطعام، ولا يكون به جوع مفرط، أو عطش مفرط، وكذلك لا يقضي وهو يدافع أحد الأخبثين، لأنه يتفرق برأيه قالوا إذا كان وجه القضاء بيناً لا بأس بأن يقضي.
قال مشايخنا: وينبغي للقاضي إذا كان شاباً أن يقضي شهوته في أهله قبل أن يجلس للقضاء، حتى إذا حضرته الشبان من النساء لا يشغل قلبه بهن، فيقدر على إدراك الصواب، ولا ينبغي له أن يتعب نفسه في طول المجلس، ولكن يجلس في طرفي النهار أو ما أطاق. وكذلك الفقيه والمفتي.
ولا يمازح الخصوم ولا أحدهما، لأن المزاح يذهب مهابة المجلس، ولا يضحك في وجه أحدهما لأنه بسببه يجترئ على خصمه، وكذلك لا يومىء إلى أحدهما إنما لهذا المعني، ولا يعبس وجهه عليهما، ولا على أحدهما ولا يعجل للخصوم الإتيان بحججهم، لأن ذلك يضر بهم.
وفي «الأصل» : ولا يخوف الخصم، ومعناه أن يتكلف لتخويف الخصوم، لأن ذلك يمنعهم عن إظهار الحق بالحجة، ولا يقضي وهو يمشي أو يسير على الدابة، لأنه قل ما يمكنه تأمله الحجج في هذه الحالة، وكذلك قال مشايخنا في المفتي: لا ينبغي أن يفتي وهو يمشي، ولكن يجلس في موضع، فإذا استقر فيه أفتى، ومنهم من قال: لا بأس بأن يفتي في الطريق إذا كانت المسألة واضحة، قال في «الأصل» : ويقدم على منازلهم في المجيء إليه الأول فالأول، ولا يبتدئ بأحد جاء قبله غيره يعني في سماع الخصومة، فقد اعتبر محمد رحمه الله السبق، والمتقدمون من المشايخ قبل الخصاف كانوا يعتبرون السبق أيضاً.
والخصاف اعتمد على الرقاع، وصورة الرقاع: أن يأمر القاضي كل مدعى، حتى يكتب اسمه واسم خصمه، ثم يرفعه ثم يقرع بينهم، فمن خرجت قرعته أولاً يسمع خصومته. وصورة القرعة: أن يكتب القاضي الرقاع في جراب أو في كمه، ثم يدخل يده، ويخرج رقعة منها فمن خرجت قرعته (٦٩أ٤) أولاً يسمع خصومته، ثم يدخل يده ويخرج رقعة أخرى ويفصل تلك الخصومة، هكذا يفعل حتى يأتي على الكل، وهذا إذا كان الخصوم عدداً يعرف القاضي من طريق الحزر، والظن أنه يقدر على فصل خصومتهم في هذا اليوم، فأما إذا أكثروا وعلم القاضي (أنه) لا يقدر على فصل الكل في هذا اليوم يأخذ القاضي أو كاتبه الرقاع ويجعل كل عشرين أو نحو ذلك * قدر طاقة القاضي الجلوس لهم، والصبر عليهم * اختيارة ويكتب لكل اختياره منها رقعة فيها اسم أشهرهم، ثم يجعل كل رقعة منها في جراب ونحو ما بينا، ويقرع بين الكل جملة، فكل رقعة اختار خرجت بعد ذلك، فلهم يوم الأخذ إلى آخره، ويعلم الخصوم التي في كل اختياره أن أسماءهم في اختيار كذا التي نوبتها يوم كذا حتى لا يكثر ترددهم على باب القاضي، ويحتاج في هذا إلى الإقراع مرتين مرة بين الاختيارات، ومرة بين الخصوم التي في كل اختياره، فيكون أحدهما على طريق الجمل، والأخرى على طريق الإفراد.