تعود إليه، وإن كان في بيت المال سعة ورأى أن يجعل ذلك في بيت المال فلا بأس به.
وقال أبو يوسف رحمه الله في قاض أجري له ثلاثون درهماً لثمن القرطاس والمصحف: أكره له أن يصرف شيئاً من ذلك إلى غير ما جعل إليه.
وأما الكلام في هديته، فنقول: هدايا القاضي أنواع: هدية ممن له خصومة، وليس له أن يقبلها سواء كان بينهما قرابة أو لم يكن؛ لأنها شبه الرشوة، والأكل بسبب القضاء. وهدية ممن لا خصومة له، وإنها على نوعين: إما أن يكون بينهما مهاداة قبل القضاء بسبب القرابة أو الصداقة أو لم يكن، فإن لم يكن لا ينبغي له أن يقبلها، لأنه إنما أهداه لأجل القضاء، فيشبه الرشوة والأكل بسبب القضاء، وإن كان بينهما مهاداة قبل القضاء، فإن أهداه بعد القضاء بمثل ما كان يهديه قبل القضاء فلا بأس بأن (٦٩ب٤) يقبلها، ويحمل ذلك على المباسطة السابقة حملاً لأمر المسلمين على الصلاح والسداد فيقبلها، وإن كان أهداه بالزيادة على ما يهديه قبل القضاء فإنه لا يأخذه، لأن الزيادة كانت لقضائه.
قال الشيخ الإمام الزاهد فخر الإسلام علي البزوديّ رحمه الله: إلا أن يكون مال المهدي قد ازداد، فبقدر ما ازداد ماله إذا ازداد في الهدية فلا بأس بقبولها. وإن لم يكن بينهما مهاداة، وكان بينهما قرابة، فللقاضي أن يقبل هديته، هكذا ذكر القدوري رحمه الله، لأن في قبول هديته صلة الرحم، وإنها فرض.
ثم إذا أخذ الهدية فلم يكن له أخذها أو أخذ الزيادة، فلم يكن له أخذها، ماذا يصنع بها؟ اختلف المشايخ فيه بعضهم قالوا: وضعها في بيت المال، وبعضهم قالوا: يردها على أربابها إن عرفهم، وإليه أشار في «السير الكبير» . وإن لم يعرف مهديها أو عرفه إلا أنه كان بعيداً حتى تعذر عليه الرد يضعها في بيت المال، ويكون حكمها حكم اللقطة، وإنما وضعها في بيت المال، لأنه إنما أهدي إليه لعمله وحشمته، وهو في هذا العمل نائب عن المسلمين وحشمته بالمسلمين، فكانت الهدايا من حيث المعنى للمسلمين، فيوضع في بيت مال المسلمين، وهذا بخلاف هدايا رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له خاصة، لأن منعته وحشمته كانت لنفسه، على ما قال الله تعالى:{والله يعصمك من الناس}(المائدة: ٩٧) فكانت الهدية لمنعة له بخلاف هدايا القضاء.
وهو نظير ما ذكر محمد رحمه الله في «السير الكبير» : أمير أهل الحرب إذا أهدى إلى أمير أهل الجيش هدية، فأمير الجيش لا يختص بها بل تكون بينه وبين الجيش، وإذا أهدي إلى واحد من المبارزين شيئاً يختص بها ذلك المبارز، لأنه إنما يهدى إلى أمير الجيش لقوته ومنعته بالجيش، فكانت الهدية للجيش معنى، فأما قوة المبارز ومنعته بذاته فكانت الهدية له خاصة فيختص به، وعلى هذا لو أهدى الرجل إلى مفتى أو واعظ شيئاً كان له أن يقبل ويختص به، لأنه إنما يهدي إليه لعلمه بخلاف هدية القضاء.
فأما الكلام في دعوة القاضي. قال محمد رحمه الله في «الأصل» : ولا بأس للقاضي أن يجيب الدعوة العامة، ولا يجيب الدعوة الخاصة، لأنه بمعنى الرشوة، قال: ظاهر أن الناس يميلون إلى القاضي باتخاذ الدعوة له على الخصوص طمعاً في ميل