للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حنيفة، وفي الاستحسان: يبيع الدنانير بالدراهم، ويقضي دينه منها.

وجه القياس: أنهما جنسان مختلفان حقيقة وحكماً، فلا يكون له أن يبيعها بذلك الدين كالعروض، ولا شك في اختلاف المجانسة بينهما حقيقة، وكذلك الحكم فإنه لا تجري الربا منهما، وفي مسألتنا ليس لصاحب الدين أن يأخذ الدنانير مكان الدراهم، ولو كانا جنساً واحداً لأخذها كما قلنا فيما إذا كان مال المديون دراهم، فإذا ثبت اختلاف المجانسة بينهما ينبغي أن لا يكون للقاضي ولاية البيع والمبادلة؛ لأنه تصرف في ملك المديون بغير رضاه، وإنه لا يجوز وصار كالعروض والعقار.

وجه الاستحسان: أنهما جنسان مختلفان من حيث العين، ولهذا لا يجري الربا بينهما، ولكنهما من حيث المالية جنس واحد، فإنهما خلقا للتقلب والتصرف، ولهذا يكمل نصاب أحدهما بالآخر في الزكاة، وكل حكم يرجع إلى العين فهما جنسان وغيران فيه، وكل حكم يرجع إلى المالية جعلا فيه جنساً واحداً، وحق صاحب الدين في العين ثابت، ولهذا لم يكن له ولاية المطالبة إلا لعين الدراهم، وإن كان له حق في المالية من وجه، ولكن من حيث أن حقه في العين لا يثبت له حق الأخذ، وباعتبار حقه في المالية يثبت له حق الأخذ، فلا يثبت له الأخذ بالشك، فأما ولاية القاضي إنما تثبت من حيث المالية، وهما في المالية كشيء واحد، فكان له ولاية المصارفة وقضاء الدين.

وقد ذكرنا في «الجامع» في باب المساومة ذكر في كتاب العين والدين: أن صاحب الدنانير إذا ظفر بدراهم من عليه الدين أو على العكس، كان له أن يأخذ هذا بيان مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه.

وأما على قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله: القاضي يبيع مال المديون بدينه، لكن هذا بدنانيره إذا كان الدين دراهم، فإن فضل الدين عن ذلك يبيع العروض أولاً دون العقار؛ لأن العروض معدة للتقلب والتصرف والاسترباح عليه، فلا يلحقه كسر ضرر في بيعه، فإن لم يف ثمنه بدينه وفضل عنه الدين حينئذٍ يبيع العقار، أما بدون ذلك لا يبيع العقار لأن العقار أعد للاقتناء، فيلحقه ضرر بين في بيعها، فلا يبيع العقار من غير ضرورة، فإذا فضل الدين عن ثمن العروض تحققت الضرورة فيبيع العقار ويقضي الدين من ثمن العقار، وهذا على إحدى الروايتين عنهما.

وفي رواية أخرى: لا يبيع العقار أصلاً؛ لأنه غير معدة للبيع، وإنه ما جرى العادة باستحداث الملك في العقار في كل وقت، فأما العروض مال معد للبيع، فإذا امتنع من بيعها ناب القاضي منابه في البيع. وقال بعضهم: يبدأ ببيع ما يخشى عليه التوى والتلف من عروضه، ثم يبيع ما يخشى عليه التلف، ثم يبيع العقار.

والحاصل: أن القاضي نصب ناظراً فينبغي أن ينظر للمديون، كما ينظر للغرماء فيبيع ما كان انظر إليه، وبيع ما يخشى عليه التلف أنظر من بيع مالا يخشى عليه فيبدأ به، فإن لم يف ثمنه بالديون يبيع مالا يخشى عليه التلف من العروض؛ لأنه أنظر من بيع العقار، فإن لم يف ثمنه بالديون حينئذ يبيع العقار.

<<  <  ج: ص:  >  >>