لرجل عليه ألف درهم وله دنانير، قال: يبيعها القاضي ويوفي الغريم، ولو كان عرضاً لم يبعها، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله: يبيع العروض والعقار حتى يوفي الغريم حقه.
اعلم بأن المحبوس في الدين إذا امتنع عن قضاء الدين وله أموال، فإن كان ماله من جنس الدين بأن كان ماله دراهم والدين دراهم، فالقاضي يقضي من دراهمه بلا خلاف؛ لأن صاحب الدين لو ظفر بهذه الدراهم له أن يأخذها قضاء من دينه؛ لأنه ظفر بجنس حقه، والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم لهند امرأة أبي سفيان:«خذي من مال أبي سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف» فكان قضاء القاضي دينه بهذه الدراهم إعانة له على حقه، وللقاضي ولاية إعانة صاحب الحق على استيفاء حقه.
وإن كان ماله من خلاف جنس دينه بأن كان الدين دراهم، وماله عروض أو عقار أو دنانير، فعلى قول أبي حنيفة رضي الله عنه: لا يبيع العروض والعقار، وفي بيع الدنانير قياس واستحسان، ولكنه يستديم حبسه إلى أن يبيع بنفسه ويقضي الدين، وعندها ببيع القاضي دنانيره وعروضه رواية واحدة، وفي العقار روايتان، ويكون البيع على الترتيب يبيع الدنانير أولاً ثم العروض ثم وثم على ما يأتي بيانه.
فالأصل عندها: أن كل من وجب عليه حق وامتنع من إيفاء ما صار مستحقاً عليه، وذلك مما يجري فيه النيابة، فإن القاضي يقوم مقامه في إيفاء ذلك الحق المستحق عليه كالذمي إذا أسلم عنده، فإن القاضي يجبره على البيع، فإن امتنع عن ذلك، فإن القاضي يبيعه عليه، وكالعنين بعد مضي المدة يأمر القاضي بالتفريق، فإن امتنع يفرق بينهما وكذلك امرأة الذمي إذا أسلمت، فإن القاضي يعرض الإسلام على الزوج، فإن أبى أمره بالتفريق، فإن امتنع ناب منابه في التفريق كذا هنا، ولكن أبا حنيفة يقول: المستحق عليه قضاء الدين، أما بيع ماله فغير مستحق عليه؛ لأن القدرة على قضاء الدين يثبت بأسباب: منها الاستفراش (١٠٨أ٤) والاستيهاب وقبول الصدقة والبيع بالنسبة والاكتساب، فليس للقاضي أن يعين عليه البيع؛ لأن في ذلك إضراراً بالمدعى عليه، ألا ترى أن القاضي لا يزوج المديونة ليقضي الدين من مهرها، وإن كان يتوصل إلى قضاء الدين بذلك؛ لأن النكاح عليها لم يتعين لقضاء الدين، وكذلك لا يؤاجر المديون ليقضي الدين من الأجرة، وإن كان يتوصل إلى قضاء الدين منه؛ لأن الإجارة لم يتعين طريقاً لقضاء الدين، كذا هنا. وهذا لأنه ما دام حياً فالدين واجب في ذمته لا تعلق له بماله، فلا يثبت القاضي اليد عليه فلا يملك البيع.
وإن كان الدين دراهم وماله دنانير، فالقياس أن لا يقضي منه دينه في قول أبي