وفرق بين القتل وبين الطلاق في فصل الشهادة، فإنه إذا شهد شاهدان عند المرأة أن زوجها طلقها ثلاثاً؛ حل لها أن تعتد، وتتزوج بزوج آخر، فقد ألحق الشهادة قبل اتصال القضاء بها بالمعاينة، والإقرار في باب الطلاق، وما ألحقها بالمعاينة، والإقرار في باب القتل والمال، وإنما فعل كذلك؛ لأن في باب القتل دفع الشك في وجوب القصاص من وجهين:
أحدهما: من حيث تهمة الكذب وإن كان الشاهد عدلاً؛ لأنه غير معصوم عن الكذب، وباعتبار الكذب لا يكون المشهود به ثابتاً أصلاً.
والثاني: من حيث إن القتل قد يكون بحق فلا يوجب القصاص، وقد يكون بغير حق، فيوجب القصاص، فلابد من قضاء القاضي حتى تنتفي تهمة الكذب وشبهة الحقية عن القتل به شرعاً.
وكذلك بباب المال يمكن الشك في وجوب الضمان على المشهود عليه من وجهين من حيث تهمة الكذب، ومن حيث إن أخذ مال الغير وإتلافه قد لا يوجب الضمان بأن يكون ذلك بحق، وفي الإقرار الشبهة تمكنت من وجه واحد من حيث إن القتل قد يكون حقاً، وقد يكون غير حق، وإتلاف المال كذلك، أما ما تمكنت فيه الشبهة من حيث الكذب؛ لأن الإنسان لا يقر على نفسه كاذباً، وإذا كان تمكن الشبهة في الإقرار في هذين الفصلين من وجه واحد، وفي الشهادة من وجهين لا يمكن إلحاق الشهادة بالإقرار، وأما في فصل الطلاق تمكنت التهمة في ثبوت الحرمة من وجه، وهو تهمة الكذب، أما ما تمكنت الشبهة من حيث إن الطلاق بعد وقوعه قد يوجب الحرمة وقد لا يوجب، فإن الطلقات الثلاث توجب الحرمة على كل حال، فيمكن إلحاق الشهادة بالإقرار في فصل الطلاق وألحقاها به.
وإن عاين الابن رجلاً قتل أباه عمداً، أو كان الرجل مقراً بذلك سراً عند الابن، ثم شهد عند الابن شاهدان أن أباه قد كان قتل أب هذا الرجل القاتل عمداً، فقتله به، فإنه لا ينبغي للابن أن يقتله.
الأصل في هذا أن كل شهادة لو قامت عند القاضي بعدما ثبت القصاص عند القاضي؛ يقضي القاضي بسقوط القصاص، فإذا قامت عند القاضي، وقضى القاضي بها ثبتت حقيقة السقوط، فإذا لم يتصل بها القضاء، وقد تمت الحجة ثبتت شبهة السقوط إن لم تثبت حقيقة السقوط وإنها مانعة من الاستيفاء، وكل شهادة لو قامت عند القاضي بعدما ثبت القصاص عنده وسع القاضي أن يطلق ولي القصاص في الاستيفاء، وإن تأنى ولبث كان أفضل، فكذا إذا قامت عند الوارث كان الوارث في سعة من الاستيفاء، وإن تأنى ولبث فهو أفضل؛ لأن القتل مما لا يمكن تداركه وتلافيه متى وقع فيه الخطأ، فقد أثبت المشهود به شهادة شاهدين من وجه حتى قال: لا ينبغي للوارث أن يقتله.
وقد قال في كتاب الحدود: إذا شهد أربعة على رجل بالزنا، وهو محصن، والشهود عدول، فقتله رجل قبل القضاء عليه بالرجم كان على القاتل القصاص، ولم يثبت