للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى لا يحل للمقضي له الانتفاع به، وعن أبي حنيفة رحمه الله فيه روايتان بناء على أن قضاء القاضي بالتبرعات بشهادة الزور هل تنفذ باطناً، فعن أبي حنيفة فيه روايتان.

في رواية لا ينفذ إذ ليس للقاضي ولاية إنشاء التبرع في الجملة، وأما الأملاك المرسلة، فالقضاء فيها بشهادة الزور لا ينفد باطناً بالإجماع؛ لأن هناك لا يمكن تصحيح القضاء باطناً، لأنه لا يمكن إنشاء الملك سابقاً؛ لأن إنشاء الملك مطلقاً بلا سبب ليس في وسع العباد، وتعذر إنشاء السبب لأن في أسباب الملك كثرة، وليس البعض أولى من البعض، وأما قضاء القاضي بالنسب بشهادة الزور فقد قيل إنه على الخلاف وقيل: إنه لا ينفد باطناً بلا خلاف.

صورة المسألة: أمة ادعت على مولاها أنها ابنته وأنه أقر بذلك وأقام على ذلك شهود زور وقضى القاضي بذلك، حرم على المولى وطؤها عند أبي حنيفة خلافاً لمحمد رحمهما الله فإن مات الأب وترك ميراثاً هل يحل لها أكله؟ ذكر في كتاب الرجوع أنه يحل لها أكله من غير ذكر خلاف، واختلف المشايخ فيه.

بعضهم قالوا هو على الخلاف.

وبعضهم قالوا: لا يحل لها أكله بلا خلاف، فعلى قول هذا القائل يحتاج أبو حنيفة رحمه الله إلى الفرق بين النسب والنكاح، والفرق أنه في قضاء النكاح أمكن تصحيح قضائه باطناً بإنشاء السبب، لأنه ادعى السبب، ففعله كذلك تصحيحاً لقضائه بقدر الممكن، أما هاهنا ما ادعى السبب؛ لأنه ادعى الملك بالإرث، والثابت للوارث.

عين ما كان ثابتاً للمورث على ما عرف، والثابت للمورث ملك مطلق، فكذا الثابت للوارث فعلم أن هذا دعوى ملك مطلق وقضاء القاضي في الأملاك المرسلة، لا ينفذ باطناً.

وبعضهم قالوا: يحل لها أكل ميراثه بلا خلاف، فعلى قول هذا القائل يحتاج محمد رحمه الله إلى الفرق بين النسب وما تقدم، والفرق أن المرأة لا تعرف ثبات النسب وعلوقها حقيقة؛ لأن العلوق غيب عنها، وإنما يعرف بشهادة الشهود، فصار حالها كحال القاضي، من حيث أن كل واحد منهما يعتمد شهادة الشهود، فيحل لها أن تأكل ميراثه، أما في ما تقدم المدعي يعرف حقيقة الحال، ويعرف بطلانه في الدعوى وخطأ القاضي في قضائه، فلا يثبت القضاء في حقها ما لم يكن ثابتاً من قبل، وإن ماتت ذكر محمد هذه المسألة في كتاب الرجوع، وذكر أنه يحل له أكل ميراثها.

قال شيخ الإسلام رحمه الله وهذا الجواب على قول الكل؛ لأن الحال لا يخلو إما لو كانت أمته أو ابنته فإن كانت أمته، فهذا إرث أمته، فيحل له بالإجماع، وإن كانت ابنته كان ميراثاً حلالاً لها بالإجماع، وذكر شمس الأئمة السرخسي رحمه الله أن هذا الجواب مشكل عند الكل لو كان المذكور قول الكل، أما عند محمد فظاهر، وأما عند أبي حنيفة رحمه الله؛ فلأن طريق تصحيح قضاء القاضي عنده باطناً إنشاء السبب، وليس للقاضي ولاية الإنشاء في الميراث والنسب قال محمد رحمه الله حتى قال بعض مشايخنا رحمهم الله: ما ذكر في «الكتاب» قول أبي حنيفة وتأويله أنه يأكل ميراثها بسبب الولاء، لأن القاضي قضى بالحرية، وله فيه ولاية الإنشاء، فيثبت الولاء له بقضاء القاضي هذه فيأكل ميراثها بسبب القرابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>