محمد لا يسع للزوج وطؤها؛ لأنه لا يعلم بحقيقة كذب الشهود، فإن كان تزوجها أحد الشاهدين يجب أن تكون المسألة على الخلاف، ومن جملة صور العقد: إذا قضى القاضي بالبيع بشهادة الزور وإنه على وجهين:
٥
أحدهما: أن تكون الدعوى من جانب المشتري بأن ادعى رجل على غيره، أنك بعت مني هذه الجارية بكذا، وأقام على ذلك شهود زور، قضى القاضي بالجارية للمشتري نفد قضاؤه باطناً عند أبي حنيفة حتى يحل للمشتري وطؤها، خلافاً لمحمد رحمه الله. بعض مشايخنا قالوا: يجب أن تكون مسألة البيع على التفصيل عند أبي حنيفة رحمه الله إن كان الثمن المذكور مثل قيمة الجارية أو أقل مقدار ما يتغابن الناس فيه، ينفذ قضاؤه باطناً، (٧٣ب٤) وهكذا ذكر في «المنتقى» نصاً عن أبي حنيفة رحمه الله؛ لأن طريق تصحيح القضاء عند أبي حنيفة رحمه الله في العقود والفسوخ، أن القاضي بقضائه يصير منشئاً لذلك التصرف، وإنما يصير القاضي منشئاً فيما له ولاية الإنشاء للبيع وله ولاية الإنشاء بمثل القيمة أو أقل مقدار ما يتغابن الناس فيه، وأما ليس له ولاية إنشاء البيع بأقل من القيمة قدر ما لا يتغابن الناس فيه؛ لأنه تبرع بمقدار العين فليس للقاضي ولاية إنشاء التبرع وبعضهم قالوا: لا بل ينفذ القضاء على كل حال؛ لأن البيع وإن كان تعين فهو مبادلة، ألا ترى أنه يملكه المكاتب والعبد المأذون، وإن كانا لا يملكان التبرع، فينفذ قضاؤه باطناً عنده، كما في سائر المبادلات.
الوجه الثاني: أن تكون الدعوى من جانب البائع: وصورته: رجل ادعى على آخر أنك اشتريت مني هذه الجارية، وأقام على ذلك شهود زور، وقضى القاضي بذلك، حل للمشتري وطء الجارية، عند أبي حنيفة رحمه الله إن عزم المشتري على ترك الخصومة حل له وطؤها، لأن بدعوى البائع وجد أحد شطري العقد والقاضي بقضائه تولى الشطر الآخر من جهة المشتري بغير رضاه، فتوقف على اختياره، فإذا عزم على ترك الخصومة فقد اختاره، فينفذ في حقه، هذا إذا أقام المدّعي شهود زور، ولو لم يقم المدعي شهوداً وحلف المشتري ورد الجارية على البائع، إن عزم البائع على ترك الخصومة حل له وطؤها، لأن بجحود المشتري انفسخ الشراء في حقه، لأن جحوده ما عدا النكاح فسخ له، وتوقف الفسخ في حق البائع، على اجتهاده، فإذا عزم على ترك الخصومة فقد اختاره فتم الفسخ بينهما، فيحل للبائع وطؤها.
ثم اختلف المشايخ في تفسير العزم على ترك الخصومة قال بعضهم: تفسيره العزم بالقلب، فقد أثبت الفسخ من جهة البائع بمجرد العزم على الفسخ وإنه مشكل؛ لأن فسخ شيء من العقود لا يثبت بمجرد النية، ألا ترى أنه لو كان في البيع خيار شرط أو خيار رؤية ونوى بقلبه الفسخ لا ينفسخ بمجرد النية إلا أن يكون معنى المسألة: عزم على ترك الخصومة بالوطء، فيكون الفسخ بفعل اقترنت به النية لا بمجرد النية.
ومن جملة صور العقد: رجل ادعي على رجل هبة مقبوضة، وأقام على ذلك شهود زور، وقضى القاضي للمدعي، فعلى قول محمد رحمه الله ينفد القضاء ظاهراً لا باطناً