للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنه يجب العمل بالناسخ دون المنسوخ، فإن اختلفت الأخبار يأخذ بما هو الأشبه، ويحيل اجتهاده إليه، ويجب أن يعلم المتواتر والمشهور، وما كان من خبر الآحاد؛ لأن المتواتر واجب العمل به قطعاً، يكفر جاحده، ولكن يخشى عليه المأثم، وما كان من خبر الآحاد يخطّأ جاحده.

ويجب أن يعلم مراتب الرواة، فإن منهم من عرف بالفقه والعدالة كالخلفاء الراشدين، والعبادلة وغيرهم، ومنهم من عرف بطول الصحبة وحسن الضبط، والأخذ براوية من عرف بالفقه أولى من الأخذ برواية من لم يعرف بالفقه، وكذلك الأخذ برواية من عرف بطول الصحبة، أولى من الأخذ برواية من لم يعرف بطول الصحبة، وإن كان حادثة لم يرد فيها سنة رسول الله، يقضي فيها بما اجتمع عليه الصحابة رضي الله عنهم؛ لأن العمل بإجماع الصحابة واجب، فإن كان الصحابة فيها مختلفين، يجتهد في ذلك، ويرجح قول بعضهم على البعض باجتهاده، إذا كان من أهل الاجتهاد، وليس له أن يخالفهم جميعاً باختراع قول ثالث؛ لأنهم مع اختلافهم اتفقوا على أن ما عدا القولين باطل، وكأن الخصاف رحمه الله يقول له ذلك، لأن اختلافهم اتفقوا على أن ما عدا القولين باطل، وكان الجصاص رحمه الله يقول: ذلك لأن اختلافهم يدل على أن للاجتهاد فيه مجالاً، والصحيح ما ذكرنا، ولا يفضل قول الجماعة على قول الواحد، قال الفقيه أبو جعفر رحمه الله: وهذا على أصل أبي حنيفة رحمه الله، أما على أصل محمد: يفضل قول الجماعة على قول الواحد، وقد ذكر محمد رحمه الله في «السير الكبير» في مسألة: قال أهل العراق وأهل الحجاز كذا، وقال أهل الشام: كذا، فأخذنا بقول أهل العراق والحجاز لكثرتهم ولانتفاء التهمة عن قولهم.

ثم الإجماع (٦٥أ٤) ينعقد بطريقين:

أحدهما: اتفاق كل الصحابة على حكم بأقوالهم، وهذا متفق عليه.

والثاني: تنصيص البعض، وسكوت الباقين، بأن اشتهر قول البعض وبلغ الباقون ذلك، فسكتوا ولم ينكروا ذلك، وهذا مذهبنا، وإنما كان كذلك لأنه لو كان عند الباقين خلاف ذلك، لما حل لهم السكوت فيحمل سكوتهم على الموافقة حملاً لأمرهم على ما يحل لهم شرعاً، ولكن هذا الإجماع في المرتبة دون الأول، لأن الأول مجمع عليه، والثاني مختلف فيه، فإن وجد من كل الصحابة اتفاق إلا واحد، فإنه خالفهم فعلى قول الكرخي لا يثبت حكم الإجماع، وهو قول الشافعي، والصحيح عندنا أنهم إن سوّغوا له الاجتهاد، ولا ينعقد الإجماع مع مخالفته، نحو خلاف ابن عباس رضي الله عنهما في زوج وأبوين، قال: للأم ثلث جميع المال، وإن لم يسوغوا له الاجتهاد، بل أنكروا عليه ذلك، يثبت حكم الإجماع بدون قوله حتى لو قضى قاض بجواز بيع الدرهم بالدرهمين، لا ينعقد قضاؤه.

وحكي عن القاضي أبي حازم رحمه الله: أن الخلفاء الراشدين إذا اتفقوا على شيء

<<  <  ج: ص:  >  >>