للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يلتفت إلى خلاف من خالفهم، حتى لم يعتبر خلاف زيد في توريث ذوي الأرحام، وأمر المعتصم برد الأموال التي اجتمعت من تركات ذوي الأرحام، فقال له أبو سعيد البردعي: هذا شيء يفتى فيه على قول زيد، فقال أبو حازم: لا يعتبر خلاف زيد في مقابلة الخلفاء الراشدين. ولكن الصحيح ما ذكرنا، فإن جاء حديث من واحد من الصحابة ولم ينقل عن غيره خلاف ذلك، فعن أبي حنيفة رحمه الله ثلاث روايات:

في رواية قال: أقلد منهم من كان من القضاة المفتيين لقوله عليه السلام: «اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما» ، وقد اجتمع في حقهما القضاء والفتوى، فمن كان منهما كعثمان وعليّ والعبادلة الثلاثة وزيد بن ثابت، ومعاذ بن جبل، ومن كان بمثابتهم أقلدهم، ولا أستجر خلافهم.

وفي رواية قال: أقلد جميع الصحابة إلا ثلاثة منهم أنس بن مالك، وأبو هريرة، وسمرة بن جندب رضى الله عنهم. أما أنس فقد بلغني أنه اختلط عقله في آخر عمره، وكان يستفتي من علقمة، وإنما لا أقلد علقمة فكيف أقلد من يستفتي علقمة، وأما أبو هريرة فإنه لم يكن من أئمة الفتوى، بل كان من الرواة فيما كان يروى لا يتأمل في المعنى، وكان لا يعرف الناسخ والمنسوخ، ولأجل ذلك حجر عليه عمر رضي الله عنه، عن الفتوى في آخر عمره، وأما سمرة بن جندب فقد بلغني عنه أمر يتأبى، والذي بلغ عنه، إنه كان يتوسع في الأشربة المسكرة سوى الخمر، وكان يتدلك في الحمام بالخمر، فلم نقلدهم في فتواهم لهذا، أما فيما روي عن النبي عليه السلام أنه كان يأخذ بروايتهم، لأن كل واحد موثوق به فيما يروي.

وفي رواية قال: أقلد جميع الصحابيين ولا أستجر خلافهم، وهو الظاهر من المذهب، فقد قال في كتاب الحيض: أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام، بلغنا ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وقال في كتاب الأيمان: إذا نذر بذبح ولده يصح نذره عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، بلغنا نحو ذلك، عن ابن عباس رضى الله عنهما، وقال: في شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن، أنه لا يجوز، بلغنا ذلك عن عائشة رضى الله عنها، ونظائره في الكتب كثيرة، وهذا لأنهم ما كانوا يفتون جزافاً، وإنما كانوا يفتون سماعاً أو اجتهاداً، فإن كان سماعاً يلزمنا اتباعهم، وهذا ظاهر، وإن كان اجتهاداً فكذلك، لأنهم صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاينوا وشهدوا التنزيل، وشهد لهم رسول الله عليه السلام بالخيرية، بقوله: «خير القرون قرني الذي أنا فيهم» . فيوفقون في الصواب بسبب صحبة رسول الله عليه السلام ولكونهم خير القرون

<<  <  ج: ص:  >  >>