للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنه قضاني خمسمئة ولم يعلم هذا الشاهد به، فإذا وافق على هذا الوجه يزول التكذيب، ويقضى بشهادتهما.

وفي «نوادر بشر» عن أبي يوسف رحمه الله: رجل ادعى على رجل ألف درهم، فشهد له شاهد بألف درهم، وشهد آخر بألف وخمسمئة فالقاضي يسأل المدعي: أكان لك عليه في الابتداء ألف وخمسمئة واستوفيت خمسمئة، أو أبرأته عن خمسمئة أو لم يكن لك عليه من الابتداء ألف درهم؟ ويبنى الحكم على قوله، وعلى هذا إذا شهد أحدهما بمئة وخمسين، إن كان المدعي يدعي مئة لا تقبل الشهادة أصلاً، وإن كان يدعي مئة وخمسين تقبل الشهادة على مئة، وأما إذا شهد أحدهما بألف والآخر بألفين، أو شهد أحدهما بمئة والآخر بمئتين، والمدعي يدعي أكثر المالين لا تقبل الشهادة عند أبي حنيفة رحمه الله أصلاً، وعندهما تقبل على الأول وهو الألف، وإذا شهد أحدهما بتطليقة والآخر بتطليقتين فهو على هذا الخلاف أيضاً.

فوجه قولهم: أنهما اتفقا على الأقل (١٤٦ب٤) لأن الذي شهد بالألفين وبالمئتين وبالتطليقتين شاهد بالألف وبالمئة وبالطلقة، لأن في الألفين ألف وفي المئتين مئة وفي الطلقتين طلقة لا محالة، فهو معنى قولنا: اتفقا على الأقل فتقبل الشهادة على الأقل كما في المسائل المتقدمة، وكما في تطليقة ونصف تطليقة، أو تطليقة وتطليقة، ولأبي حنيفة أنهما اختلفا لفظاً ومعنى، أما لفظاً فظاهر؛ لأن لفظ الألفين غير لفظ الألف، فكذا لفظ المئتين غير لفظ المئة، وأما معنى؛ فإن ما يراد بالمثنى غير ما يراد بالواحد، وإذا ثبت الاختلاف لفظاً ومعنى لا يثبت واحد منهما، إذ ليس في كل واحد منهما إلا شاهد واحد، وقوله: بأن الألف في الألفين والمئة في المئتين قلنا: نعم إذا ثبت الألفان والمئتان ولم يثبت ههنا، لأنه لم يقم عليه إلا شاهد واحد، ولو شهد أحدهما بخمسة وعشرين وشهد الآخر بعشرين، والمدعي يدعي خمسة وعشرين، تقبل الشهادة على عشرين.

فرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبينما إذا شهد أحدهما بخمسة عشر والآخر بعشرة والمدعي يدعي خمسة عشر، حيث لا تقبل الشهادة عنده أصلاً، والفرق أن خمسة عشر اسم واحد، وإنه غير العشرة لفظاً ومعنى، فلم يتفقا على أقل المالين لفظاً ومعنى، فأما الخمسة والعشرون فاسمان مختلفان، ألا ترى كيف عطف أحدهما على الآخر، والعطف يقتضي المغايرة، فاتفقا على أقل المالين، فجاز أن يقضي بشهادتهما بالأقل.

وإذا شهد شاهدان لرجل على رجل بألف درهم إلا أن أحدهما قال: إنه سود، وقال الآخر: بيض، وللبيض فضل على السود، فإن كان المدعي يدعي السود لا تقبل شهادتهما أصلاً، لأنه ادعى أقل المالين فصار مكذباً الشاهد الذي شهد بالبيض، فلا تقبل شهادتهما إلا أن يوفق المدعي فيقول: كان لي عليه بيض كما شهد به هذا الشاهد إلا أني أبرأته عن صفة الجودة، وعلم به ذلك الشاهد ولم يعلم به هذا الشاهد، فإذا وفق على هذا الوجه تقبل شهادتهما على السود لأنه زال التكذيب، وإن كان يدعي البيض تقبل

<<  <  ج: ص:  >  >>