للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شهادتهما على السود؛ لأنهما اتفقا على الأقل لفظاً ومعنى، ولم يصر المدعي مكذباً أحدهما، فلابد من قبول شهادتهما على ما اتفقا عليه.

وكذلك هذا الحكم في جميع المواضع في الجنس الواحد إذا اتفقا على قدر أو وصف، واختلفا فيما زاد على ذلك تقبل الشهادة فيما اتفقا عليه إن ادعى المدعي أفضلهما، وإن ادعى أقلهما لا تقبل شهادتهما إذا اختلفا، كيف ما اختلفا، بأن شهد أحدهما مثلاً على كر حنطة والآخر على كر شعير؛ لأن الشعير غير الحنطة، فلم يتفقا على شيء واحد، إنما على الحنطة شاهد واحد وعلى الشعير كذلك، ولا يقضى بشهادة الفرد في موضع ما.

وإذا شهد أحدهما بتطليقة بائنة، وشهد الآخر بثلاث تطليقات، فهي تطليقة واحدة يملك الرجعة عندهما، لأن الشاهدين اتفقا على تطليقة واحدة فيثبت ما اتفقا عليه، ثم اختلفا في صفة هذه التطليقة، شهد شاهد الثلاثة بهذه الطلقة خالية عن صفة البينونة؛ لأن صريح الطلاق لا يفيد البينونة للحال، وإذا أوجد الثلاث فالبينونة مضافة الى الطلقة الأخيرة، ولم يقض بالطلقة الأخيرة بعد، والشاهد الآخر شهد بكونها بائنة، فقد شهدا بأصل هذه الطلقة، وتفرد أحدهما بصفة البينونة فلم تثبت صفة البينونة، وصريح الطلاق العاري عن صفة البينونة يكون رجعياً.

ولو شهد ثلاثة، شهد أحدهم بتطليقة واحدة، وشهد آخر بتطليقتين، وشهد آخر بثلاث تطليقات، وقد دخل بها فهي طالق ثلاثاً، لأن الشاهد بالثلاث والشاهد بالطلقتين اتفقا على الطلقتين، فيقضى بوقوع ما اتفقا عليه، فيقع تطليقتان بقي الشاهد بالثلاث شاهداً بتطليقة أخرى، وقد انضم إلى شهادته شهادة الذي شهد أولاً بتطليقة، فتقع هذه الطلقة بشهادتهما أيضاً فتقع ثلاث تطليقات لهذا، وإن كان لم يدخل بها تقع تطليقتان، لأنا لمّا قضينا بوقوع التطليقتين فقد بانت منه، ولا يتصور وقوع تطليقة أخرى بعد ذلك، فلهذا قال: تقع تطليقتان.

قال في كتاب «الأقضية» : وإذا شهد شاهدان على إقرار رجل بدين أو قتل أو براءة من مال أو كفالة بمال أو بنفس، أو حوالة أو ما أشبه ذلك واختلفا في الساعات والأيام والشهور والسنين والبلدان، فالشهادة مقبولة فلا يضرهما هذا الاختلاف.

يجب أن يعلم بأن الشاهدين إذا اتفقا على المشهود به، لكنهما اختلفا في الزمان والمكان، فإن كان المشهود به فعلاً لا تقبل شهادتهما؛ لأن الفعل في زمان أو مكان غير الفعل في زمان ومكان آخر، فقد اختلف المشهود به، واختلافهما في المشهود به يمنع القضاء بشهادتهما، وإن كان المشهود به قولاً فإن كان قولاً يستغني صحته عن الفعل نحو الإقرار وما أشبهه فإن كان هذا القول مما كان صيغته الإنشاء والإقرار فيه واحد كالبيع والطلاق، فإنه يقول في الإنشاء: بعت وطلقت وكذلك في الإقرار تقول: طلقت وبعت فإذا اختلفا في الزمان والمكان فيه لا يمنع ذلك قبول شهادتهما؛ لأن الإقرار يعاد ويكرر وكان الثاني عين الأول فلم يختلف المشهود به باختلاف المكان أو الزمان، وكذلك في

<<  <  ج: ص:  >  >>