وفي «الأصل» أيضاً: لو شرط على الخباز أن يخبز له هذه العشرة المحاسم دقيق، وشرط عليه أن يفرغ منه اليوم تجوز هذه الإجارة عندهم جميعاً.
وإن ذكر الوقت والعمل فأبو حنيفة رحمه الله يحتاج إلى الفرق بين هذه المسألة وبين المسألة الأولى.
والفرق: أن في مسألة الفراغ اليوم ما ذكر مقصوداً وإنما ذكر الإثبات صفة في العمل وهو الفراغ منه في اليوم وصفة العمل تبع للعمل لا يصلح معقوداً عليه مقصوداً فكذا ما ذكر لأجله من اليوم لا يصلح معقوداً عليه مقصوداً فيعين العمل معقوداً عليه فجاز.
بمنزلة ما لو اشترى عبداً على أنه كاتب أو خباز فإن الكتابة والخبازة لا تجعل معقوداً عليه مقصوداً حتى لا يكون بإزائها ثمن؛ لأنها ذكرت صفة للعبد فكانت تبعاً فكذا هاهنا فأما في تلك المسألة اليوم لم يذكر لإثبات صفة في العمل فكان مذكوراً مقصوداً كالعمل، وقد أضيف العقد إليهما إضافة على السواء ليس أحدهما بأن يجعل معقوداً عليه بأولى من الآخر فيصير المعقود عليه مجهولاً.
قال في «الأصل» أيضاً: وإذا دفع الرجل عبده إلى حائك يعلمه النسيج وشرط عليه أن يحدقه في ثلاثة أشهر بكذا وكذا، فهذا لا يجوز؛ لأن التحديق ليس في وسعه وكان ينبغي أن يجوز هذا العقد على قولهما، وإن لم يكن التحديق في وسعه؛ لأن العقد وقع على المدة كما لو استأجره يوماً ليبيع ويشتري، فإنه يجوز وإن لم يكن ذلك في وسعه؛ لأن العقد وقع على المدة.
والجواب وهو الأصل من جنس هذه المسائل عندهما أن العقد على المدة، إنما يصح عندهما إذا ذكر مع المدة نوعاً من العمل معلوماً في نفسه كما في البيع والشراء، فإنه معلوم في نفسه إلا أنه من غير ذكر المدة لا يجوز العقد؛ لأن من غير ذكر المدة العقد يقع على العمل، والعمل ليس في وسعه، وإذا ذكر المدة فالعقد يقع على تسليم النفس في المدة لهذا العمل، وذلك في وسعه.
قلنا: والتحديق ليس بمعلوم في نفسه؛ إذ ليس له حد يعرف به لا للأقصى ولا للأدنى وإذا لم يكن معلوماً في نفسه صار ذكره والعدم بمنزلة، ولو انعدم ذكر العمل أليس أنه لا تجوز الإجارة.
والأصل عند أبي حنيفة: أنه إذا جمع بين الوقت والعمل في عقد الإجارة إنما يفسد العقد إذا ذكر كل واحد منهما على وجه يصلح معقوداً عليه حالة الانفراد الوقت والعمل، أما إذا ذكر العمل على وجه لا يجوز إفراد العقد عليه لا يفسد العقد.